العالم لم يتعلّم الدروس من مذبحة ساحة تيانانمن
منذ ثلاثين سنة، تدفق المحتجون إلى شوارع بكين وهم يحملون لافتات كُتِب عليها «فليسقط الدكتاتوريون» و»الحرية أو الموت»، ثم توجهوا إلى ساحة «تيانانمن»، حيث وقف الطلاب وسط الحشود وطالبوا بإرساء الديموقراطية عبر مكبّرات الصوت، كانت الأجواء حماسية وواعدة، قاد الجيل الشاب حينها الدعوات إلى التغيير لكن انضم إليه مليون مواطن آخر.وفي حين كانت الاحتجاجات تحتدم في ساحة «تيانانمن»، انضم سكان المنطقة الإيغورية إلى المحتجين في دعوتهم إلى الإصلاح، وشهدت الحقبة التي تلت الثورة الثقافية توسّع هامش الحرية وسط الإيغوريين، فأُعيد فتح المساجد وبدأت هذه الفئة من الناس تسترجع حقوقها الثقافية.لكن سرعان ما تلاشت جميع الآمال حين أرسلت الحكومة الصينية، في 4 يونيو 1989، دبابات عسكرية إلى الساحة وفتحت النار على المواطنين، هكذا انتهت الحركة الشعبية الواعدة وانهارت الآمال بنشوء نسخة ديموقراطية من الصين، ورضخ الجميع للحزب الشيوعي الصيني طوال عقود لأنه أطلق أكثر الحملات عنفاً في العالم الحديث، وقُتِل جيل كامل من الناشطين الداعمين للديموقراطية أو تعرّضوا للاعتقال في ذلك اليوم وخلال الأشهر اللاحقة، وقوبلت تضحيات المحتجين بوحشية النظام الصيني والجمود من جميع دول العالم.
اليوم، يُعتبر الإيغوريون من أسوأ ضحايا القمع الذي يشبه الأسلوب المستعمل في مذبحة ساحة «تيانانمن»، وتحمّل شعبنا أعمال العنف من جانب الدولة طوال عقود، لكنّ أحداً لم يتوقع حصول الإبادة الجماعية التي نواجهها اليوم. لقد تحوّل وطننا إلى سجنٍ مفتوح عالي التقنية، حيث تصبح النساء عقيمات قسراً، ويُسلَخ الأولاد عن عائلاتهم، ويُحتجَز ملايين الإيغوريين في معسكرات الاعتقال، ويعجز المنفيون عن التواصل مع أفراد عائلاتهم ولا يستطيعون التأكد من سلامتهم.لكن على عكس ما حصل منذ 33 سنة، حين انتشرت صور المذبحة على الصفحات الأولى في كل مكان، تتراجع الأدلة الملموسة على الأعمال الوحشية المرتكبة راهناً بحق الإيغوريين، وفي آخر خمس سنوات، لم تتسرب أي معلومة من تلك المنطقة، وتدرك الحكومة الصينية أن هذه المقاربة تفيدها لكبح أي سخط دولي مشابه لما حصل في عام 1989، لكن تسرّبت في الأسبوع الماضي مجموعة نادرة وكبيرة من الوثائق والصور، وهي تُعرَف باسم «ملفات شرطة شينغيانغ»، وشملت هذه الوثائق آلاف الصور للمعتقلين الإيغوريين، بعضهم في عمر الخامسة عشرة، كانت ملامح الخوف على وجوههم مريعة، فأصبح المجتمع الدولي مضطراً للنظر في عيون هؤلاء الأشخاص أخيراً بعد غدره لهم حين فضّل الامتناع عن التحرك. قد تكون هذه الملفات الأكثر قوة حتى الآن، لكنها ليس أول دليل على حصول إبادة جماعية، فقد سبق أن تسرّبت مجموعة من الوثائق وصور الأقمار الاصطناعية لمعسكرات الاعتقال المنتشرة على نطاق واسع، وسمعنا أيضاً شهادة عشرات الإيغوريين الذين صمدوا في المعسكرات واكتشفنا الأهوال التي اختبروها أثناء وجودهم هناك، ومع ذلك، لم يتخذ المجتمع الدولي أي خطوات فاعلة، فلا تزال الروابط التجارية قوية بين الدول الديموقراطية والصين، وترفض الشركات العالمية التعامل مع ظاهرة السخرة الإيغورية التي تُسمّم سلاسل إمداداتها.يبدو أن العالم لم يتعلّم الدروس من مذبحة ساحة «تيانانمن»، لقد توسّع النظام الصيني بكل وضوح تزامناً مع جمود العالم، وبدأت الأماكن التي تستذكر تلك المذبحة تنحسر، حيث يعني انتهاك بكين للمعاهدة الصينية البريطانية أن هونغ كونغ لن تنظّم أي وقفات احتجاجية هذه السنة، لقد تحوّل المحتجون الشباب الشجعان في هونغ كونغ إلى جيل آخر مضطر للعيش في المنفى. بعد مرور 33 سنة على مذبحة «تيانانمن»، حان الوقت كي يعترف العالم بأن الاسترضاء ليس الأسلوب المناسب للتعامل مع الحكومة الصينية، وإذا استمر هذا النهج فستضطر جماعات إضافية للعيش في المنفى، وتتدمّر فئات عرقية أخرى، ويتوسع انتهاك القوانين الدولية، إلى أن تعلن الدول الديموقراطية بصوتٍ موحّد أنها لم تعد تتحمّل هذا الوضع، وحتى ذلك الحين، سنتمسك بذكرى من سقطوا في سبيل الديموقراطية في ساحة «تيانانمن» ونقدّم أعمالاً تُكرّم شجاعتهم.* ووئير كايشي ورحيمة محمود