حفلة على خازوق
قد يسعى الإنسان للترفيه عن نفسه، ليجد أن ذلك المسعى قد خاب وتحوّل إلى نكد وأذى غير متوقع. كان ذلك موضوع المسرحية الكويتية الرائدة، عندما كان لدينا مسرح قائد، «حفلة على الخازوق»، التي كتبها محفوظ عبدالرحمن، وأخرجها صقر الرشود، وعُرِضت سنة 1975 على مسرح كيفان، كما تم عرضها في القاهرة ودمشق سنة 1977. ورغم أن المسرحية مستوحاة من تراث ألف ليلة وليلة، فإنها عالجت موضوع الفساد في الحكم، وكيفية استغلال كبار المسؤولين في الدولة لنفوذهم، وتعديهم على مصالح الناس بقالب كوميدي سلس، فمشهد الصناديق انقلبت فيه مقامات المسؤولين رأساً على عقب، وتحولت الحفلة المفترضة إلى فضيحة مجلجلة. أمس الأول، صوّت حزب المحافظين البريطاني على طرح الثقة برئيس الوزراء، المثير للجدل، بوريس جونسون، وكانت القشّة التي قصمت ظهر البعير، هي الحفلة التي شارك فيها جونسون بـ «داوننغ ستريت»، مقر مجلس الوزراء، في الوقت الذي كانت الحكومة ومن ورائها جونسون، تصدر القيود تلو القيود على الناس وتمنعهم من الحركة والالتقاء، وبالذات في الحفلات.
لم يغفر لجونسون أنه قاد الحزب في 2019 لأكبر انتصار انتخابي، كما لم يغفر له أنه في إطار ذلك عزز من موقعه داخل الحزب وكثّف من الموالين له، وعندما وجِّهت إليه تهمة المشاركة في «فضيحة الحفلة» بالبرلمان، نفى حدوثها مطلقاً، فتحوّلت من خطأ إلى خطيئة. وتكمن أهمية التصويت في أنها داخل حزب المحافظين فقط، ومع أن جونسون حصل على أغلبية 218 نائباً مقابل 142 في التصويت السرّي، فإنها معركة قد خلقت جروحاً لا يبدو أن السيد جونسون سيتعافى منها، إذ يبلغ حجم المتمردين عليه داخل الحزب الآن 40 في المئة، وهي نسبة كبيرة يصعب من خلالها قيادة الحزب كما ينبغي، وربما قد تفصح سياقات تاريخية لرؤساء وزراء محافظين مثل مارغريت ثاتشر وجون ميجور وغيرهما عن نهايات غير سعيدة. لو عاد الزمن بجونسون لما كان قد شارك في «فضيحة الحفلة»، أو كما يطلق عليها party gate، لكنها كانت حفلة قوّضت أركان الثقة بجونسون، وتراجعت شعبيته إلى مستويات متدنية. لا أعرف إن كان هناك قياس ممكن لحالات مشابهة عندنا أو في دول أخرى، وإن كنّا كما يبدو محصنين ضد الفضائح، حتى لو كانت على مستوى حفلات قد لا تنتهي نهاية سعيدة.