تخيلت نفسي للحظة وأنا أجري حواراً مع كاتب العمود الصحافي البريطاني بيتر أوبورن بعد أن أعددت مجموعة أسئلة من وحي ما نشر عنه بعد إصداره كتاب «مصير إبراهيم» (The Fate Of Abraham)، فلم يعطني الفرصة بل راح يجيب عن تلك الأسئلة بأسلوبه المشوق:

«قد تتساءلون لماذا أنا الصحافي البريطاني المؤيد لحزب المحافظين والمسيحي الإنجليكاني الذي يواظب على حضور الكنيسة في إنكلترا، يخرج للكشف عن التضليل الذي يتعرض له المسلمون في بلادي؟

Ad

عندما رأيت قبل عشرين عاماً كصحافي أن الغرب يخالف كل الأمور التي يدعي الإيمان بها، وأننا اقترفنا الكذب حول حرب العراق عام 2003 ومارسنا التعذيب والخيانة لقيمنا، هالني ما رأيته في الصحافة البريطانية وما يكتب عن المسلمين ووصفهم بالخطرين وبأنهم قذرون، ينشرون الأوبئة ويريدون حظر الأعياد المسيحية مثل الكريسماس، لذلك قررت أن أخرج وأدقق في تلك التقارير، ذهبت إلى «ليستر» لأتفحص ما نشرته إحدى الصحف البريطانية التي قالت إن هناك أطباء مسلمين رفضوا غسل أياديهم لأسباب دينية، ففوجئت أن ذلك غير صحيح بالمطلق»!

استغرق تأليف الكتاب ما يقرب من 20 عاماً، وهي الفترة التي كان يعمل فيها ككاتب عمود صحافي بجريدة «الديلي تلغراف»، نقطة التحول التي غيرت اتجاهاته وأفكاره خرجت من حرب العراق وأصبح من أشد المعارضين لسياسات الحكومة البريطانية.

أقدم على تقديم استقالته من «الديلي تلغراف» عام 2015 احتجاجاً على فضيحة أحد البنوك المشهورة بعد إغلاق البنك لحسابات مسلمين بريطانيين بارزين دون إبداء أية أسباب.

وفي الكتاب مجموعة من النصوص التاريخية والتقارير الصحافية التي تسلط الضوء على التصادم بين الغرب والإسلام، وفيه يكشف الافتراءات التي تقال عن المسلمين في بريطانيا والعالم، ويؤكد على «أننا جميعاً أبناء إبراهيم ويجمعنا المصير نفسه»، لم يعد «أوربون» مناصراً لتاريخ الحكم الاستعماري البريطاني، حيث يشبهه البعض بـ «صمويل جونسون» الكاتب والأديب البريطاني المناصر لثورة العبيد في أميركا.

أهم الخلاصات التي توصل إليها «أوربون» أن العديد من الصحافيين البريطانيين كانوا أدوات للسلطة وجزءاً من مجموعة وسائل الإعلام التابعة للسياسيين، ويبدو أن المرض المستشري في جسد بعض الصحافيين العرب الذين يتم شراؤهم وتوظيفهم لأغراض تخدم السياسيين ليست حكراً على هذه المنطقة، بل هي تطول أهم معقل في بيئة تتمتع بقدر كبير من احترام القوانين والأعراف المهنية وحرية التعبير!

في الفصل الذي كتبه عن بريطانيا، يسرد كيف تناولت وسائل الإعلام الغربية قضية حصان طروادة، وهي مجموعة من الادعاءات التي تزعم أن المسلمين يحاولون الاستيلاء على مدارس «بيرمنغهام»! وتحدث عن مؤسسة «َQuilian Foundation» التي تدعي محاربة التطرف بكل أشكاله، مع أن الواقفين وراء تمويلها مؤسسات أميركية تابعة لمجموعة من المتطرفين المعادين للإسلام، وأثار دور معهد التفكير «بوليسي إكستشانغ» في لندن والذي تأسس عام 2002 وحمل شعلة المحافظين الجدد في بريطانيا وله تأثير في دوائر صناعة القرار السياسي وقضى على نهج التسامح البريطاني، وساهم في تفكيك فكرة التعددية الثقافية.

أطلق الكاتب والصحافي البريطاني المخضرم جدلاً لم يتوقف، هل يجب عزل الٍإسلاميين أم الحوار معهم؟ وهل يعني إذا كنت مسلماً بريطانيا أن تكون ضحية في حين أصبح بعض المسلمين رموزاً وطنية في السياسة والرياضة والفن؟ وهل بعد ذلك سيكون السؤال مشروعاً؟ لماذا تبنّى الصحافي البريطاني بيتر أوربون الدفاع عن مسلمي بريطانيا الذين يعانون تهميش السياسيين ووسائل الإعلام لهم؟

الأجدى أن نرى مركز أبحاث خليجياً أو عربياً يتبنى ترجمة هذا الكتاب للاستفادة منه وعمل نقاشات حول مضمونة والأفكار التي يطرحها!

● حمزة عليان