عن الاغتراب البيئي... العدالة المناخية والغبار!
من بعد مؤتمر مدينة غلاسكو في المملكة المتحدة الأخير والذي مازالت التزامات الدولة مبهمة وغير معلنة إزاءه، وموجات الغبار (الطوز) التي اجتاحت البلاد وأثارت الحساسية لدى الشعب الذي احمرت أنوفه وحمل مناديله الورقية وتمسك بخيط أمل بعد تناول حبوب (الزيرتك) المضادة للحساسية، هل فكر أحد في تداعيات مثل هذه المسألة وحق الشعب في العيش في بيئة سليمة؟! تذكر عزيزي القارئ أن حالتك الصحية في كل مرة تعطس من جراء الغبار تزداد وتتدهور وتصبح ثملاً من حبوب مضادات الحساسية وتخسر ساعات عمل مهمة من حياتك والتزاماتك المهنية، فالحكومة هي السبب في ذلك كله دون أدنى شك! نعم، السلطة التنفيذية هي السبب والمسؤول الأول والأخير عن هذا، وهي المخول الأول والوحيد في تأمين عدالة بيئية لكل سكان الدولة بغض النظر عن موقع المنطقة وطبيعة السكن ذاته. الحكومات هي الجهة التي تراعي صحة الإنسان سواء كان المواطن أو المقيم على حد سواء، ومن المفترض أن يكون سكان المناطق في الكويت سواء كانت جديدة قيد الإنشاء أو قديمة، في مستوى معيشي بيئي واحد وهم تحت حماية الجهات التنفيذية من أي طارئ أو كارثة بيئية قد تجتاح البلاد، فهي المسؤولة عن توفير غطاء نباتي ومعالجات لتثبيت (وتثبيط) التربة من أي أعاصير تجعل من بعض مناطق الدولة أشبه بمقاطع أفلام (الكاوبوي) الأميركية والناس تصارع الأتربة والأعاصير الترابية من كل حدب وصوب، فمهما كانت هناك مبادرات سابقة وتصريحات صحافية رنانة، على أرض الواقع، فإننا ما زلنا نعاني مشاكل في التصحر وزحف التربية واختفاء الغذاء النباتي و»بلاوي» أخرى لا تسعف أرض الكويت أن تتحمل ما يطرأ عليها من موجات غبار أو غيره.
وفي واقع الحال ومن بعد الغزو العراقي إلى يومنا هذا، لم تعزز حكومات الكويت (فعليا) إلا ثقافة الذهاب إلى المجمعات والمحال التجارية (المولات) ليستفيد القلة القليلة على حساب جيب المواطن، فكل هذا إلى درجة أن (المولات) أصبحت هي الوجهة للاحتماء من حرارة الشمس والغبار والأمطار، بل جهة لتخليص المعاملات الرسمية في بعض الأوقات، ولعل من المفيد أن أستذكر أحد أهم الحوادث البيئية في تاريخنا المعاصر والتي أثرت بي شخصيا حين علمت عنها منذ سنوات طوال، وهي حين تعرض الوسط الجنوبي الأميركي ممثلا بولايات كانساس، وكولورادو، ونيو مكسيكو وتكساس لسنوات عجاف دون أمطار تسببت في جفاف وقحط وغبار في ثلاثينيات القرن الماضي. كان سبب هذا هو الرعي الجائر كما يخمن ويرجع السبب له كبار المختصين لكن حين تسلم الرئيس الأميركي الأسبق فرانكلين روزفلت زمام الأمور تحملت الدولة مسؤولياتها الطبيعية، ووضعت الحلول العملية العلمية من خلال برامج وقوانين لحفظ وتخضير المناطق القاحلة، وإعادة تسكين من تضرر من جراء تلك الكوارث البيئية دون تردد أو نظر إلى خزينة الدولة، فهذا حصل لأن الدولة مسؤولة عن حماية رعاياها مهما كان ومهما كلف الأمر. حيازاتنا الزراعية في الكويت لا تستطيع أن توفر أمناً غذائياً، وصحراؤنا قاحلة تحيط بمناطق سكنية تئن من وطأة الغضب البيئي المحيط بنا، فلزاما لا ترفا أن نقوم بتوفير عدل بيئي لكل قاطني المناطق السكنية في الكويت وحمايتهم من أي تبعات لرعي جائر أو دمار بيئي يحيط بنا، فهذا الأمر أصبح ضرورة في يومنا هذا، وأكرر بأن المسألة لم تعد ترفيها. وأختم هذا الجزء من المقال بدعوة نصوح لمبتكر عقار (الزيرتك) ومصنعيه الذين مكنونا من النوم ليلا. على الهامش: تكرار الزلازل في المناطق الجنوبية كحقل برقان الكبير وحواليه يستوجب تدشين فريق متخصص لدراسة الأمر والخروج بتوصيات ملزمة للأطراف المعنية سواء في القطاع النفطي أو غيره، وأستشهد بمناسبة العدالة البيئية بمنزل المواطن الذي أصبح منذ أيام بعد الهزة الأرضية الأخيرة في منطقة صباح الأحمد فوجد ركام الطابوق أمام سور منزله من الداخل، فماذا لو حصل المحذور منه له أو لأسرته؟ ومن المسؤول هنا؟! وما الاشتراطات الجديدة للبنيان التي تحمي أمثال هذا المواطن؟!