بقايا خيال: من المزعج... الشعب أم السلطة؟
في الكويت وفي كل دول العالم، إذا ما اتصل شخص بجهة أمنية وأبلغها بوقوع جريمة، أي جريمة، فإن هذه الجهة الأمنية تأخذ هذا البلاغ مأخذ الجد للحد من تبعات الجريمة من خلال القبض على المتسبب فيها، وإذا تبين لهذه الجهات الأمنية أنه كان بلاغاً كاذباً، ولا أساس له من الصحة، فسيلقى القبض على الشخص المبلغ فوراً وتوجه إليه تهمة إزعاج السلطات، وهي جريمة يعاقب عليها القانون بالسجن والغرامة معاً. في الكويت ومنذ عقود تم الإبلاغ عن مجموعة جرائم أغلبها تصل إلى مستوى الإخلال بالأمن القومي لدولة الكويت، إن لم يكن الإخلال بأمن دول المنطقة بأسرها، ورغم ذلك لم تحرك السلطات الكويتية ساكناً للحد من التأثيرات السلبية لهذه الجرائم، بل لم يصل أي تحرك حكومي إلى مستوى الحدث. وأولى هذه الجرائم هي التزوير في وثائق الجنسية الكويتية التي وصل عددها إلى آلاف الحالات التي أعلنها مسؤولون كبار وأعضاء في مجلس الأمة عبر مختلف وسائل الإعلام، ورغم ذلك لم تستدع وزارة الداخلية أياً من الأشخاص الذين صرحوا بهذه المعلومات للتحقيق معهم، والتأكد من حقيقة هذه البلاغات، وحتى لو كان هناك استدعاء للتحقيق، إلا أنه لم يستتبعه بحث وتحرّ، ولا إلقاء القبض على الضالعين بهذه الجرائم، ولم تتم معاقبة المزورين والمسؤولين الذين اشتركوا بارتكاب جرائم التزوير.
الأدهى والأمر أن دولاً عربية وأخرى أجنبية أعلن بعض سياسيوها أن هناك أعضاء في مجلس الأمة الكويتي يحملون جنسية هذه الدول، ورغم ذلك لم نسمع أن السلطات الأمنية ألقت القبض على هؤلاء، وهناك مئات الآلاف من المزدوجين الذين يحملون أكثر من جنسية إلى جانب الجنسية الكويتية، في كسر فاضح للقوانين الكويتية، التي لا تسمح بالجمع بين جنسيتين، ولم تتحرك السلطات الكويتية قيد أنملة في سبيل الحفاظ على أمن واستقرار البلد. وإذا كنا نعرف أن الجهات الأمنية نفسها تتابع عبر كمبيوتر وزارة الداخلية أوضاع الوافدين في الكويت، وهم يشكلون ضعفي عدد الكويتيين، وتحذرهم من البقاء خارج الديرة لأكثر من ستة شهور أثناء سريان إقاماتهم، فكيف تعجز عن تتبع أوضاع الكويتيين المزدوجين خلال وجودهم لسنوات خارج الكويت؟ وهناك أكثر من 30 ألف حالة تزوير في إجازات قيادة السيارة، دون أن نسمع تصريحاً يؤكد أن الدولة ماضية قدماً في القبض على المزورين، وهناك مزورون لشهادات الميلاد والشهادات العلمية بعشرات الآلاف ويعملون في وظائف لا يستحقونها، لكنهم اعتمدوا في شغلها على هذه الشهادات المزورة، وهناك ثراء فاحش مفاجئ لأناس ليسوا من أصحاب الأعمال ولم يكونوا من الأثرياء ولم يرثوا ما تكدس في حساباتهم المصرفية من ملايين، ورغم ذلك يسرحون ويمرحون دون حسيب أو رقيب، حتى إن وجهت أصابع اتهام دولية لبعض دول المنطقة بوجود رائحة غسل أموال تفوح من بعض الثغور المصرفية. وإذا كانت دول الخليج تتبادل فيما بينها معلومات أمنية متنوعة، فأين كانت الجهات الأمنية الكويتية من متابعة هذه الأرقام الكبيرة من المزورين والمزدوجين الذين لم ينهكوا ميزانية دولة الكويت فحسب، إنما شكلوا خطراً على الأمن القومي للمنطقة بأسرها؟