من صيد الخاطر: على الخبير سَقَطْت
«على الخبير سَقَطْتَ»، مثل عربي قديم ومعروف، ومعناه حرفيا «لقد سألت الشخص المناسب الملم بما سألت عنه»، ويقال إن أول من تلفظ به هو مالك بن العامري، أحد حكماء العرب القدماء، وكالعادة فوراء كل مثل قصة، ولهذا المثل قصته:فيقال إن مالكاً كان في منافسة مع صديق له بسؤال عن أول من قُرِعت له العصا، فقال مالك عبارة: «على الخبير سَقَطْتَ، وبالحليم أٌحِطتَ»، فأخذها الناس عنه مثلًا يُضرب فيمن أحاط العلم في شيء ما، أما السؤال عن «أول من قُرِعت له العصا» فوراءه حكاية أخرى.وقد قيل المثل «على الخبير سَقَطْتَ» للحسين بن علي بن أبي طالب، رضي الله عنهما وأرضاهما، حين كان في طريقه إلى العراق، فقد حصل أن صادف الحسين الشاعر الفرزدق فسأله عن أحوال أهل العراق، فرد الفرزدق: «على الخبير سَقَطْتَ، قلوب الناس معك، وسيوفهم مع بني أمية، والأمر ينزل من السماء»، فردَّ عليه الحسين صدقتني، فـ «على الخبير سَقَطْتَ»، مثل تداوله شعراء العرب على مر العصور، إما ممتدحين به أنفسهم، أو واصفين به غيرهم، ومن ذلك قول أبي بكر بن مجبر من العصر الأيوبي:
فلا تُخـبر عن الأممِ المواضي فإنَّكَ قد سَقَطْتَ على الخبيروقول عبد الغفار الأخرس من العصر الأندلسي: فسل منه الغوامـض مشـكلاتٍ فإنَّك قد سَقَطْتَ على الخبيروقول البوصيري من العصر المملوكي: فإذَا سَقَطْتَ عَلَى الخَبير بِدَائها فَاصْـبِرْ لِمُرِّ دَوَائِـهِ وَتَـجَـلَّـدِ وهناك قصة سخيفة لكنها ذات مغزى لمن يدّعي العلم بشيء لا يعلمه، بطلها أحد الرواة العرب يقال له «سيفويه»، فقد كان في أحد المجالس، فسأل أحدهم عن معنى «الغسلين» في الآية (36) من سورة الأحقاف، «وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ»، فأشكل على الجميع ولم يجبه أحد، فرفع «سيفويه» رأسه قائلا، ومادحا نفسه: «على الخبير سَقَطْتَ»، وأنصت له الجميع منتظرين منه الإجابة الكافية، لكنه أكمل قائلا: بأنه قد سأل أحد شيوخ الحجاز قبل ستين عاما عن «غسلين» ولم يجبه، فانفجر بعض الموجودين ضحكًا عليه واستهزاء به. المغزى من هذه القصة أن هذا المثل يجب أن يقوله من يملك المعرفة كاملة حول أمر بعينه، وعندما يقوله فالمتوقع منه أن يتحف مستمعيه بإجابته الشافية الوافية، وهذا ما لم يفعله «سيفويه»، ولا غيره من سفهاء كثر يعيشون بيننا، ومع هذا يؤخذ رأيهم في شؤوننا، وهذه هي الطامة.ملحوظة: منقول من التراث بتصرف.