كأن لبنان لم يكن ينقصه سوى خلاف داخلي بين مسؤوليه حول ملف ترسيم الحدود، ليزداد موقفه ضعفاً أمام إسرائيل والوسيط الأميركي في أزمة حقل كاريش الغازي في البحر المتوسط الذي تعتبره تل أبيب «حقاً» خالصاً لها، في حين لا تزال بيروت التي تعد جزءا من الحقل يقع في منطقة متنازعة عليه تائهة بين «الخطوط».

وفي الأساس، ما نجحت إسرائيل في تكريسه هو قدرتها على استغلال التناقضات اللبنانية لتقوية موقفها، مستندة الى الخلافات السياسية بين المسؤولين الذين يقاربون الملف بنوع من الطفولية وانعدام المسؤولية، وسط سجالات علنية واتهامات متبادلة بالتفريط في الحقوق.

Ad

وفي الوقت الذي يبحث الرؤساء الثلاثة عن صياغة ردّ موحد على اقتراح المبعوث الأميركي لشؤون أمن الطاقة العالمي، آموس هوكشتاين، الذي يفترض أن يزور لبنان الأسبوع المقبل، يستمر السجال بين نائب رئيس مجلس النواب إلياس بوصعب، وهو المكلف من رئيس الجمهورية بإدارة التفاوض في ملف ترسيم الحدود، ورئيس الوفد العسكري التقني المفاوض، العميد بسام ياسين.

وانعكس السجال إضعافاً للموقف اللبناني وضياعاً للرؤية اللبنانية، خصوصاً أن ياسين يشدد على ضرورة توقيع تعديل المرسوم 6433 لتوسيع مساحة لبنان، واعتبار أن حقل كاريش منطقة متنازعا عليها، يرفض بوصعب ذلك ويتهم ياسين بالمزايدة.

في المقابل، تستغل إسرائيل هذه المواقف، وتعلن أنها لم تعمل في الحفر داخل مناطق متنازع عليها، معتبرة أن منطقة الحفر خاضعة لسيطرتها الكاملة، ومبدية الاستعداد لحمايتها عسكرياً.

وأشار بو صعب في انتقاده لياسين إلى أن «الفريق التقني برئاسة الضابط الذي أعدّ الدراسة طرح أمام الرؤساء الـ3 خطّاً مختلفاً عن الخط 29 ، وبعض المسؤولين السابقين عن الملف تحدثوا بشيء أمام المفاوض الأميركي وبشيء آخر في الإعلام».

وتابع: «أنصح مَن لم يعد في موقعه بالتوقف عن الكلام، خصوصا أنه يدرك ماذا فعل وماذا قال وماذا طلب وما يجبرنا نطلع نحكيها». وأضاف: «من يزايد اليوم في موضوع توقيع المرسوم 6433 استند إلى تقرير فنّي أعده المعنيّون في الجيش اللبناني، لكن وجهة نظر هؤلاء هي أن الخط 29 ليس إلّا خطاً تفاوضياً، وبالتالي توقيع المرسوم من دون أن يكون السير بالخط 29 موقفاً نهائياً من قبل التقنيين والسياسيين، سيأخذ البلد إلى مكان آخر، ولا مصلحة لأحد في خيار الحرب، بل مصلحتنا إنجاز الترسيم، وهو ما لا يريده العدو».

وسارع ياسين إلى الردّ على بوصعب بالقول: «هذا الكلام يأتي من ضمن حملتهم المبرمجة لعدم تعديل المرسوم 6433، والتي اتبعوها سابقا ولا يزالون باتهامهم لنا زورا وبهتانا أننا نحن مَن تنازلنا عن الخط 29، وذلك باستنادهم الى أقوال الوسيط الأميركي غير النزيه». واعتبر أنه «لو كانت نيتهم حسنة، لقاموا بالاتصال بنا حينها للتحقق من ذلك، ولبيّنا لهم كذب وادعاء الآخرين وبالوثائق، لكن كان الهدف ولا يزال بثّ الشائعات في الإعلام، والتي تصب في غير مصلحة لبنان»، متسائلا: «من يقف خلفهم؟».

على وقع هذه السجالات، يفترض أن تستمر الاتصالات بين الرؤساء الثلاثة للوصول إلى صيغة نهائية لتقديم الجواب لهوكشتاين، وهنا تفيد مصادر متابعة بأن تنسيقاً سيحصل بين عون وميقاتي، وقد تتم الدعوة لعقد جلسة استثنائية لمجلس الوزراء، على الرغم من أن الحكومة في حالة تصريف أعمال، لكن الوضع الاستثنائي يستدعي عقد جلسة لصياغة الجواب النهائي، ووفق ما تقول المعلومات، فإن الجواب سيتركز على رفض الخط المتعرج الذي تقدّم به هوكشتاين، وسيركز على المطالبة بمساحة 860 كلم مربع كاملة، إضافة إلى حقل كاريش، مع اعتماد صيغة «لا غاز من كاريش من دون غاز من قانا». وقال عون أمس إن «ترسيم الحدود يندرج في إطار المفاوضات الدولية هو من صلب مسؤوليات رئيس الجمهورية، استنادًا إلى المادة 52 من الدستور».

في المقابل، دخل حزب الله بشكل مباشر على ملف ترسيم الحدود، من خلال تكليف النائب السابق نواف الموسوي بمتابعة هذا الملف، بينما وضع أمينه العام حسن نصرالله السقف الواضح، من خلال التهديد بأن أي اعتداء على المياه اللبنانية سيتم الرد عليه عسكرياً، لا سيما عندما تتخطى باخرة الحفر الخط 29، أي الخطّ الذي يعتبره لبنان منطقة متنازعا عليها.

منير الربيع