● في مدينة زيورخ توقف الترام في محطة تبعد أمتاراً قليلة عن المطعم المفتوح الذي كنت فيه مع زوجتي، وفتح باب الترام وترجلت امرأة سويسرية مع طفلتها، ولكن نظراً لوجود فتحة بين الرصيف وباب الترام انزلقت الطفلة وسقطت في الفتحة فانفجرت في البكاء والصراخ، وتلفتت الأم فرأت طفلتها بين عجلات الترام فأخذت تصرخ خوفاً من أن يتحرك الترام وتموت الطفلة بين العجلات، وفي لحظات انطلقتُ وزوجتي إلى الترام وكنت أنادي السائق لكي لا يتحرك الترام، ومدت زوجتي يدها وانتشلت الطفلة من بين العجلات بطريقة خاطفة، وتم إنقاذ الطفلة بحمد الله، وأخذ الجميع بالبكاء، الأم والطفلة في حضن أمها وزوجتي معهما التي كانت تهدئ الطفلة المرعوبة، وأخذت ما كان في جيبها من حلويات ووضعتها في يد الطفلة، أما الأم فغمرت زوجتي بكلمات الشكر الكبير والثناء العظيم، ولم تهتم بأنها مسلمة ومحجبة رغم مشاعر الكراهية للمسلمين التي تجتاح أوروبا.انتهى هذا المشهد الذي يعبر بالفعل عن الإنسانية الحقيقية والتعاون لحفظ مشاعر الأمومة وحياة الطفولة، هذه الإنسانية التي عبرت عنها هذه المشاعر التلقائية تختلف كل الاختلاف عن الإنسانية الغربية المشوهة التي خربت الفطرة التي خلق الناس عليها، وأفسدت الطفولة البريئة، فتدخلت قوانينها العلمانية في تربية الوالدين، فمنعت الآباء والأمهات من توجيه الأبناء التوجيه الإنساني السليم إلى درجة أن يؤخذ الطفل من والديه مع معاقبة الوالدين إذا علمت السلطات في بعض البلاد الغربية أنهما يربيان هذا الطفل على أحكام الشريعة أو على كراهية شذوذ قوم لوط، أو يمنعان الأبناء من الفجور والرذيلة.
هذا الفرق بين إنسانيتنا التي تقوم على حفظ النفس والعقل والعرض وإنسانيتهم التي أهدرت كل القيم، حتى حق الحياة أهدروه بإلغاء حكم الإعدام على من يقتل ولو قتل عشرات الأنفس البريئة، فلن يعدم المجرم الذي قتل أكثر من عشرين طفلاً في مدرسة ابتدائية في أميركا الأسبوع الماضي، كما لم يعدم الذي قتل عشرات المصلين في مسجد في نيوزيلندا، وصدق الله سبحانه: «مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَو فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً»، وقوله تعالى: «ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب».إن الحياة التي جعلها الغرب أحد أهم حقوق الإنسان يجب أن تكون حياة عموم البشر والقصاص العادل هو الذي يحفظ حياة العموم، ولا يجوز أن يكون المقصود منها الحفاظ على حياة القلة المجرمين فيكونون مثلاً لإغراء مجرمين آخرين.● نتابع الحديث عن إفساد براءة وإنسانية الطفولة في الغرب، حيث أصبح مجالاً تجارباً في الغرب تتنافس فيه كثير من الشركات، والمفاجأة هي إعلان شركة ديزني قبل أيام أنها ستقوم بإضافة شخصية شاذة في جميع أفلامها ورسوماتها الكاريكاتيرية لكي يتقبل الأطفال الشواذ ويتعايشوا معهم.وأفلام شركة ديزني واسعة الانتشار وخطيرة التأثير على الأطفال والمراهقين، لذلك فإنها وسيلة خطيرة وسلاح جديد وأساسي في يد العلمانية وصراع الحضارات القائم الآن والذي يستهدف ما تبقى من قيمنا الإسلامية.أما العلم الحقيقي فإنه يشهد على فساد عملهم وانحرافهم، فقد ظهر مرض نقص المناعة المعروف بالإيدز قبل نحو 40 سنة بين الشواذ، وأثبت العلم أن ممارسة فعل قوم لوط هي من أهم أسباب انتشاره، ومع ذلك سارعوا إلى إباحته وتجريم من ينكره، وقبل أيام ظهر وباء جدري القردة في مجتمع وبيئة الشواذ، فلم يتراجع الغرب رغم انتشار العدوى وأعداد الوفيات لهذين المرضين، ورغم كل الأبحاث والأموال التي أنفقت للعلاج والوقاية، وجاءت المفاجأة في إعلان شركة ديزني البائس المريض.كل ذلك يثبت أن عملهم بعيد كل البعد عن العلم الحقيقي، وأنه من وحي الهوى والشهوات، وأن ما يدعون إليه هو إنسانية مشوهة مريضة يكمن وراءها مصالح تجارية أو استعمارية، أما الإسلام فإنه هو دين العقيدة والعلم والإنسانية الحقة، قال تعالى: «أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوآذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ».● وبناء على هذا الفهم السليم لحقوق الإنسان والطفل والحريات على أعضاء مجلس الأمة أن يعوا خطورة شعارات الحريات وحقوق الإنسان الغربية التي تُرفع هذه الأيام دون العودة إلى أحكام الشريعة، وكيف أهدر هذا الشعار قيما وأخلاقا وحدودا وحرمات كثيرة حتى وصل الأمر إلى إباحة فعل قوم لوط والدعوة إليه، والطعن في سيد ولد آدم محمد، صلى الله عليه وسلم، في الهند وفي الغرب والاستهزاء بالأحكام الشرعية بأقلام بعض الكتاب عندنا.وحسناً فعل بعض الأعضاء في التصدي لاقتراحات لجنة التعليم والإعلام في مجلس الأمة، لأن الحرية الحقة تكمن في صيانة حقوق الإنسان وكراماتهم وأعراضهم وفق ما جاء به الشرع الحنيف.● كنت في لندن الأسبوع الماضي أثناء الاحتفال باليوبيل البلاتيني لملكة بريطانيا، وسكنت في الفندق نفسه الذي أنزل فيه سنوياً، وهو قريب جداً من قصر باكينغهام، حيث تدفقت عشرات الآلاف من الجماهير أمام الفندق للمشاركة في احتفالات اليوبيل البلاتيني للملكة إليزابيث الثانية، كما نقل التلفزيون جوانب من الاحتفالات الكبيرة للشعب البريطاني بالملكة بمناسبة مرور 70 عاماً على تسلمها العرش البريطاني، والملكة إليزابيث الثانية فاقت كل ملوك وملكات بريطانيا بطول فترة حكمها، وكان أشهرهم فكتوريا وإليزابيث الأولى، وتعبير (حكمها) ليس صحيحاً لأن الصحيح أنها لا تحكم فعلياً، ففي النظام الملكي الدستوري تكون سلطة الملك أو الملكة رمزية فقط، ويكون الحكم بيد الأحزاب التي تفوز في الانتخابات.والملاحظ في هذه الاحتفالات والجماهير الغفيرة التي حضرت وشاركت أن الملكة تحظى بشعبية كبيرة جداً عندهم بالرغم من أنها تعتبر من أغنى نساء العالم، وهي أكبر مالك للأراضي والعقارات، ومع ذلك فهي لا تدفع الضرائب للدولة، رغم أن كل البريطانيين يدفعون ضريبة لا تقل عن 30% من دخلهم.● أرى أن على كل مهتم بالشأن العام أن يطلع على تقرير الشال الذي نشر أمس الأحد، والذي جاء فيه «السلطتان تستجديان استمرارهما ببيع مستقبل البلد، فهما لا يعرفان وسيلة إنجاز، ويتصارعان في ساحة إنجاز هامشية، وشراء الوقت ببذل المالية العامة».
مقالات
رياح وأوتاد: زوجتي وترام زيورخ... ومرض ديزني غير الإنساني... واليوبيل البلاتيني
13-06-2022