مراجعة كتاب «بنك الاحتياطي الفدرالي غير المقيد»
شيد مجلس الاحتياطي الفدرالي أو البنك المركزي الأميركي، لترسيخ نظام نقدي يتكون بشكل أساسي من البنوك المملوكة للمستثمرين، وتلك المرخصة من الحكومة، لكن بمرور السنين تراجع قانون البنوك، وظهرت أشكال بديلة للأموال خارج النظام المصرفي. وتسبب كل هذا في تولي مجلس الاحتياطي الفدرالي المزيد من المسؤوليات، لحماية الاقتصاد من الركود، مثلما حدث خلال الأزمة المالية العالمية عام 2008، أو مثلما حدث خلال الأشهر الأولى من جائحة كورونا، عندما ضخ المجلس 3 تريليونات دولار لمواجهة تداعيات الجائحة. يتناول «ليف ميناند» الأستاذ المشارك في كلية الحقوق بجامعة كولومبيا في كتابه «بنك الاحتياطي الفدرالي غير المقيد» الصادر هذا العام مشكلة اضطرار مجلس الاحتياطي الفدرالي الابتعاد عن دوره الأساسي، بسبب تطور النظام المالي، وفشل الكونغرس في التعامل مع ذلك.
ويرى «ميناند» أن ذلك أدى إلى تحمل مجلس الاحتياطي الكثير من الأعباء، مما تسبب في النهاية في عدة مشكلات، من بينها زيادة عدم المساواة في توزيع الثروة في الولايات المتحدة الأميركية.ورغم أن «ميناند» لا يوجه اللوم إلى مجلس الاحتياطي الفدرالي بشأن ما اتخذه من إجراءات على مدى سنوات، لكنه يؤكد أن المجلس إذا لم يتخذ إجراءات سريعة فيما مضى لحل المشكلات، فكان من الممكن أن يقوم الكونغرس بخطوات أكثر لإصلاح الخلل في الرقابة المالية، وإدارة الاقتصاد الكلي. ويستند «ميناند» في آرائه على تلك الحجة القانونية والتاريخية المتمثلة في أن مجلس الاحتياطي الفدرالي لم يُشيد لتحقيق الاستقرار الاقتصادي، إنما لإدارة النظام المصرفي فقط، مشيراً إلى أن تفويضه لا يعني استخدام أدواته لتحقيق استقرار الأسعار، أو توفير فرص عمل، وإنما زيادة المعروض النقدي بمعدل يتوافق مع الإمكانات الكاملة للاقتصاد.ومن ثم يحتاج الكونغرس أن يخفف الأعباء على الاحتياطي الفدرالي، ويؤدي دوراً أكبر لحل العديد من المشاكل بما في ذلك زيادة المعروض من المساكن لخفض تكلفتها، وجعل نظام الرعاية الصحية أقل تكلفة وأكثر كفاءة. ومن ناحية أخرى يناقش «ميناند» أهمية أن يقدم مجلس الاحتياطي الفدرالي حسابات مصرفية بدون رسوم لكل الأشخاص، لتصحيح الممارسات الإقصائية في النظام المصرفي المملوك للمستثمرين، الذي أضر بشكل كبير بذوي الدخل المنخفض والأقليات، بسبب صعوبة فتح العديد من الأسر لحسابات مصرفية. لكن «ميناند» لم يناقش على الجانب الآخر احتمالية تسبب مثل هذه الحسابات في زعزعة استقرار النظام المصرفي، أو إمكانية أن يؤدي ذلك إلى توسيع الدور الذي يؤديه الاحتياطي الفدرالي في الاقتصاد، والذي يقر بأنه كبير بالفعل.وفي النهاية، يقدم هذا الكتاب شرحاً وافياً لتاريخ الاحتياطي الفدرالي، والدور الذي من المفترض أنه شُيد لأجله، والأدوار الأخرى التي بات يؤديها دون أن تكون من اختصاصه. ويؤكد «ميناند» من خلاله أن الوقت قد حان لعلاج المشكلات التي عانى منها الاقتصاد الأميركي لعقود، بدلاً من الاعتماد على الاحتياطي الفدرالي فقط لتخفيف الآثار الناجمة عن هذه المشكلات.