لا يبدو تأخير الاستشارات النيابية الملزمة لتكليف رئيس للحكومة أمراً مفهوماً بالنسبة إلى اللبنانيين. يعترض كثيرون على تأخير رئيس الجمهورية ميشال عون في توجيه الدعوات، فيعتبر البعض أنه يحاول كسب الوقت لتحسين شروطه التفاوضية، فيما البعض الآخر يرى أن زيارة المبعوث الأميركي لشؤون أمن الطاقة العالمي آموس هوكشتاين ربطت بين ملفي ترسيم الحدود والاستشارات لأسباب تتعلق بحساب قديم بين عون وهوكشتاين قبل سنوات كان محوره كذلك ترسيم الحدود.

تعود وقائع هذا الحساب إلى عام 2014، حين كان هوكشتاين نفسه مكلفاً كذلك ملف التفاوض مع لبنان حول الترسيم فيما كان البلد مقبلاً على فراغ رئاسي، وكان عون يعتبر نفسه المرشّح الوحيد لرئاسة الجمهورية. وقتذاك، كان هوكشتاين متمسكاً بخط السفير الأميركي فريدريك هوف لترسيم الحدود، الذي يمنح لبنان مساحة 500 كلم مربع من أصل 860 تطالب بها بيروت.

Ad

وكان لبنان رافضاً لهذا الاقتراح، وخلال جولات التفاوض حمّل فريق عون مسؤولية الرفض لرئيس مجلس النواب نبيه بري الذي كان يتولى المفاوضات، يومها طرح أحد المقربين من عون معادلة الوصول إلى رئاسة الجمهورية لسحب الملف من بين يدي برّي والذهاب إلى توقيع الإتفاق. بالتالي تم ربط ملف ترسيم الحدود بملف الوصول إلى رئاسة الجمهورية.

طال انتظار عون حتى عام 2016، ومنذ وصوله إلى الرئاسة بدأ بالسعي لسحب الملف من يدي بري، وهذا الأمر لم يتحقق إلا بعد توقيع «اتفاق الإطار».

بتسلّم عون للملف، ذهب بعكس ما كان يتوقعه الأميركيون، إذ طالب بتوسيع الحدود إلى 2290 كلم مربع، حينها اعتبرت المصادر الأميركية أن عون يرفع السقف للتفاوض بهدف رفع العقوبات عن صهره جبران باسيل، ولذلك عاد فيما بعد وتراجع عن هذه المساحة مطالباً بالـ 860 كلم مربع مع «حقل كاريش».

واليوم يعود هوكشتاين إلى لبنان وسط مساع لإنجاز الترسيم، بينما سيكون عون مفاوضاً على جملة أمور، أولها لا يزال رفع العقوبات عن باسيل، وثانيها تشكيل الحكومة الجديدة بالمواصفات التي تقتضيها المرحلة، اذ يريد عون أن تكون هناك حكومة تضمن قدرة باسيل على التحكم بمسار ومفاصل الأمور مع مشارفة ولايته على الانتهاء وخروجه من قصر بعبدا.

إحدى أوراق القوة التي يرتكز عليها عون في هذا المجال، أولاً، الحاجة إلى توقيعه على أي تشكيلة حكومية، وثانياً، معادلة سابقة، تعود إلى سنوات خلت وعندما كان بري يمسك بملف الترسيم، كان عون يشدد على ضرورة تسليمه الملف كرئيس للجمهورية ليكون قادراً على اتخاذ القرار المناسب، وهنا تكشف المصادر جزءاً من محضر جلسة بين هوكشتاين ومسؤول لبناني قريب من عون بالقول، إنه في حال كان عون رئيساً للجمهورية يمكنه تكليف شخصية موثوقة من قبله بتشكيل الحكومة، وحينها يصبح هناك اتفاق بين الرجلين على آلية الترسيم، فيصبح موقف برّي ضعيفاً وعندها يمكن توقيع الاتفاق، هذه القاعدة تُستخدم من بعض القوى حالياً، لإنجاز ملف الترسيم مقابل الحصول على مكاسب سياسية في تشكيل الحكومة، ولذلك تربط المصادر بين زيارة هوكشتاين وتأخير الاستشارات.

لا ينفصل ذلك عن الشروط القائمة في ملف تشكيل الحكومة، ووسط عدم وجود أي مرشح غير نجيب ميقاتي حتى الآن، فإن عون وباسيل يعملان على فرض الشروط والضغوط على ميقاتي لتسميته ومن بين الشروط أن تكون الحكومة مطعمة بسياسيين، وأن تكون وزارة الطاقة كما الخارجية من حصة التيار الوطني الحرّ، يمرّ ذلك من قدرة عون على استخدام صلاحياته للاستثمار في الوقت الضائع لتحسين شروطه وفرضها.

منير الربيع