هذا الدستور خرج ولم يعد
النائب ووزير العدل السابق المجتهد مشاري العنجري كتب مقالاً في «القبس»، يحذر فيه السلطة من تعليق الدستور، وهي تحذيرات في مكانها الصحيح لو كانت لدينا سلطة لم تعلق الدستور فعلاً ومنذ زمن بعيد، وتم التعليق إما بصورة تدريجية ضمنية وعبر نافذة «وفقاً للشروط التي يبينها القانون»، التي ترك فيها المشرعون التأسيسيون الباب مفتوحاً للسلطتين التشريعية والتنفيذية (وهما بصفة عامة ملحقان يتبعان السلطة المشيخية بالنص الصريح) كي يضرب بنصوص الدستور عرض الحائط، وإما أن يكون تعليق الدستور صريحاً كما نذكر في عام 76 أو 86، مع عدم نسيان المجلس المزور عام 67. ماذا بقي من الدستور كي نخشى عليه من الضياع؟! لنكن أكثر تحديداً، ماذا لدينا الآن وعلى أرض الواقع من الباب الثالث من الدستور عن «الحقوق والواجبات العامة» بعد التشريعات المصادرة للحريات التي تمت إما عبر مراسيم بقوانين أو بتشريعات باركها أغلبية النواب بعدة مجالس مختلفة؟ ماذا عن حرية الاعتقاد والحرية الشخصية، وحريات التعبير، وعشرات المدونين والمغردين عليهم أحكام بالحبس لعقود ممتدة؟ ماذا عن حرية الصحافة والإعلام...؟ هل هناك ما يستحق أن يقرأ جدياً وبعين ناقدة صريحة في صحافتنا اليوم؟!
تعليق الدستور بدأ منذ لحظة وفاة عبدالله السالم واستمر لهذا اليوم، ولم يعد لهذا الدستور - وهو بحد ذاته معيب بنصوصه ولكنه يمثل في الأغلب أضعف الإيمان - من معنى غير أنه أضحى عباءة للسلطة لتسويف استحقاقات الإصلاح السياسي - الاقتصادي، وهو عذر لاستكمال الشكل النظري للدولة الدستورية، أين هو الدستور الحضاري الذي يحمي حقوق وحريات الأفراد ويصون المجتمع من آفات الفساد وتبديد مقدرات الاقتصاد التي تتم اليوم عبر سياسات الاسترضاءات وشراء الولاءات، يصاحبها تدهور مؤسسات الدولة كلها دون استثناء، أين ذهب هذا الدستور؟ الذي أعلمه يقيناً أنه خرج ولم يعد.