الكفاءة غائبة عن مؤسسات الدولة
جاء أعرابِيٌّ إلى رسول الله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، يسأله عن الساعة قالَ: «إذا ضُيِّعَتِ الأمانَةُ فانْتَظِرِ السَّاعَةَ»، قالَ: كيفَ إضاعَتُها يا رَسولَ اللَّهِ؟ قالَ: «إذا أُسْنِدَ الأمْرُ إلى غيرِ أهْلِهِ فانْتَظِرِ السَّاعَةَ». مفهوم الكفاءة الوظيفية من الأفعال القابلة للقياس، وذلك من خلال تحليل البيانات والسمات الشخصية للمرشحين وتقييم مؤهلاتهم الأكاديمية والعلمية ومقدرتهم على الأداء والإنجاز بنسب عالية، كما أنها تعني الجدارة والاستحقاق. إذا ما نظرنا إلى هذا التعريف البسيط نجد أن معظم التعيينات الحكومية يغيب عنها هذا المفهوم؛ مما يدل على أن الاختيار لا يخضع لمعايير الكفاءة وضوابطها عند اعتماد أسماء شاغلي المناصب القيادية، فمعظم أوجه الفساد الذي تعانيه الكويت يعود إلى سياسة التعيينات وغياب المفاضلة والتنافس، وكما ذكرت معظم التقارير أن برامج الإصلاح الإداري والمالي تبدأ من التمكين بوضع الشخص المناسب في المكان المناسب دون اعتبار للتقسيمات الاجتماعية والسياسية التي فرضت نفسها على الواقع الإداري للدولة.
استمرار النهج ذاته في التعيينات سيكرس ويسمح لمنظومة الفساد بالتمدد، وكنتيجة طبيعية لهذا النهج لن يكون هناك إصلاح لا بالمنظور القريب ولا بالمنظور البعيد، بل إن تعيين المسؤول غير الكفؤ والضعيف تكون كلفته على خزينة الدولة أكبر من المسؤول الفاسد، فالأول يمرر كل شيء في حين يساوم الثاني على بعض الشيء، مع التأكيد على سوء الاثنين. البعض ينظر إلى موضوع التمكين على أنه إعطاء الشباب والمرأة فرصة في تولي المناصب القيادية، وقد يكونون محقين في ذلك على اعتبار أن الشباب منفتحون أكثر من غيرهم على العلوم الحديثة والتطورات الاجتماعية، وأن المرأة لم تأخذ حقها من تلك المناصب، لكن هذه المعايير لا يمكن قبولها متى ما غاب شرط التميز والكفاءة. أكتب هذه السطور وأرجو ألا يفهم منها أنني ضد الشباب أو المرأة، فكلاهما يمثل المكون الأكبر للمجتمع، لكنني أرغب في حكومة تعرف معنى التمكين والكفاءة عند التعيين حتى لا يكون لدينا تجارب فاشلة نقيس عليها في المستقبل، فالشواهد والدلالات على ذلك كثيرة وفي كل مؤسسات الدولة. التمكين يعني حسن الاختيار وفق معايير الكفاءة والجدارة والتميز، ولذلك أتمنى أن يكون هناك مكتب يتبع مجلس الخدمة المدنية من المختصين تنحصر مهمته في تقييم السير الذاتية وفحصها للمرشحين للوظائف القيادية والمجالس الإدارية التابعة للدولة والمؤسسات والشركات المملوكة لها بدلاً من إطلاق يد الوزير بترشيح من يريد، وكأن تلك الجهات شركة محدودة يملك الحق المطلق في إدارتها.فحص الشهادات الدراسية أحد أهم الخطوات الأولية للتعرف على كفاءة المرشحين، فإذا كانت الجامعات مميزة ومتصدرة لقوائم التصنيف العالمي فهذا يضعك أمام سيرة ذاتية تستحق إكمال قراءتها للتعرف على تميز وخبرة صاحبها، وإسهاماته الإدارية والعلمية.مواجهة الفساد والتخلص منه لا يستقيمان مع استمرار نهج التعيينات البراشوتية، فالناس تعودت على قول «مبارك» لكل شخص يعين بالمنصب دون النظر إلى استحقاق الآخرين، فمن ينشد الإصلاح فإن عليه التمكين وفق مفهوم الكفاءة وما فيها من مقومات فنية وإدارية وأخلاقية. واستمرار تشخيصنا للواقع لا يعني أن الكويت غير قادرة على التغيير للأفضل، فهي تزخر بالكفاءات الوطنية من الرجال والنساء المخلصين.ودمتم سالمين.