شمل إعلان هجومي ساخر ضد حزب العمال الأسترالي خلال الحملة الانتخابية الأخيرة النشيد التالي: «ثمة فجوة كبيرة في ميزانيتك، يا حزب العمال العزيز»، لكن محاولة انتقاد المؤهلات الاقتصادية لحزب العمال اليساري الوسطي لم تؤثر على الناخبين، فقد أشرفت الحكومة الائتلافية اليمينية الوسطية حديثاً على تضخم هائل في الدين العام، بما في ذلك إنفاق أكثر من 300 مليار دولار أسترالي على الخطط المرتبطة بأزمة كورونا.لكن بعد حصد حزب العمال أغلبية برلمانية في انتخابات 21 مايو، هل يمكنه أن يُحقق وعوده بتقوية الاقتصاد وتنويعه في ظل تسارع التضخم وتفاقم المشاكل التجارية والاضطرابات العالمية؟
تتألف الخطة الاقتصادية واستراتيجية الميزانية التي يطرحها حزب العمال من خمس نقاط، وهي تدعم القيام باستثمارات ذكية ومستهدفة، وتحسين نوعية الإنفاق، وتخفيض الإنفاق على المستشارين تزامناً مع كبح الثغرات الضريبية في الشركات المتعددة الجنسيات، وتُعتبر هذه المقاربة «محدودة الأهداف» مقارنةً بالبرنامج السياسي الواسع الذي رفضه الناخبون في انتخابات عام 2019.على صعيد آخر، يريد حزب العمال تخفيض انبعاثات غازات الدفيئة محلياً بنسبة 43% بحلول عام 2030 مقارنةً بأرقام العام 2005، بما يفوق التراجع الذي تصبو إليه الحكومة الائتلافية ويتراوح بين 26 و28%، ويبدو إنتاج الفحم المحلي الأكثر عرضة للخطر اليوم، لكن دفع ارتفاع أسعار الطاقة في الفترة الأخيرة بالحكومة إلى إعادة تقييم منافع إنتاج الفحم المحلي، حتى لو كانت تسعى إلى زيادة إنتاج الطاقة المتجددة.في غضون ذلك، لوحظ أن رئيس الوزراء الجديد أنتوني ألبانيز يتخذ موقفاً أقل صدامية من الصين مقارنةً بالحكومة السابقة، لكن حتى هذه المقاربة قد لا تكون كافية لإنهاء الحرب التجارية مع بكين.رغم التحركات التي تتخذها الصين لإعاقة الواردات الأسترالية، مثل لحم البقر، والشعير، والفحم، والنبيذ، يُفترض أن تبقى الصادرات الإجمالية في حالة جيدة نظراً إلى غياب بدائل حقيقية عن خام الحديد والغاز الطبيعي المُسال من أستراليا.كان الإسكان الملف الوحيد الذي تختلف فيه طروحات حزب العمال والحكومة الائتلافية، فقد تعهدت حكومة سكوت موريسون السابقة بالسماح لمن يشترون المنازل للمرة الأولى باستعمال مدخرات التقاعد لجمع ودائع الرهن العقاري، وفي المقابل، تعهد حزب العمال بتقديم المزيد من قروض الإسكان الاجتماعي وتبنّي سياسة تضمن إعالة 10 آلاف أسترالي سنوياً عبر تقديم أسهم بنسبة قد تصل إلى 40%.هاتان السياستان قد تزيدان الطلب على سوق الإسكان الذي يعاني أصلاً نقصاً في العرض، لكن أحدث البيانات تكشف أن فورة الإسكان في أستراليا انتهت على الأرجح، فقد تراجعت الأسعار في شهر مايو على المستوى الوطني خلال فترة التراجع الاقتصادي الأولى منذ عام 2020، إذ تفرض أسعار الفائدة المتزايدة ضغوطاً إضافية على المشترين.لكن خبراء الاقتصاد يتوقعون أن تشهد أستراليا انكماشاً في قطاع الإسكان وزيادة في أسعار الفائدة بسبب تراجع سعر الصرف، وزيادة النمو السكاني، وتوسّع الاستثمارات في قطاع الأعمال، واستمرار ارتفاع أسعار صادرات السلع الأساسية مثل الفحم وخام الحديد.يقول خبراء الاقتصاد في «بنك الكومنولث» إن المشهد الاقتصادي لن يتغير على المدى القريب نتيجة تعديل بعض السياسات، لاسيما في مجالات رعاية الأطفال والمسنين، والصحة، والإسكان، والتغير المناخي.في الوقت نفسه، تتوقع منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أن يبلغ نمو الناتج المحلي الإجمالي في أستراليا نحو 4.1% في عام 2022 و3% في عام 2023، بعد تعافي البلد من تداعيات أزمة كورونا.لكن على المدى الطويل، قد تواجه أستراليا تراجعاً في نمو الإنتاجية، وتوسّعاً في حجم الانبعاثات، وزيادة في الإنفاق على رعاية المسنين والقطاع الصحي ومعاشات التقاعد، تزامناً مع توسّع شريحة المتقدمين في السن وتدهور التركيبة السكانية، وبما أن الصين تتلقى نحو 40% من الصادرات الإجمالية، فقد تكبح أي قيود تجارية إضافية من الجانب الصيني حجم الصادرات ونمو الناتج المحلي الإجمالي.شهدت أستراليا أطول توسّع اقتصادي في العالم على مر 28 سنة متلاحقة حتى عام 2020، لذا لا يحمل الأستراليون إلا ذكريات بعيدة عن آخر تراجع اقتصادي بارز خلال التسعينيات.إذاً ستواجه الحكومة الجديدة اختباراً صعباً لأنها مضطرة للحفاظ على وضع اقتصادي إيجابي رغم زيادة الاضطرابات العالمية وارتفاع مستوى التضخم، ويجب أن تتعامل أيضاً مع مطالب المشرّعين الجدد بزيادة الإنفاق بطريقة مدروسة، فلا يملك وزير الخزانة الأسترالي، جيم تشالمرز، وقتاً طويلاً للاستمتاع بشهر العسل السياسي، فهو مضطر إلى طرح أول ميزانية خلال بضعة أشهر، وتُهدد أزمة الطاقة اليوم بزيادة الضغوط على كلفة المعيشة.*أنتوني فنسوم
مقالات
اختبار اقتصادي شائك أمام الحكومة الأسترالية الجديدة
14-06-2022