«العالم يغلي من حولنا، والإقليم في مرحلة تحول جوهري، بعضها إيجابي وبعضها سلبي، والكويت كأنها غير معنية، أو محصنة من التطورين، بينما واقع الحال تماماً غير ذلك، فهي غارقة في التطور السلبي...» كانت تلك فقرة من تقرير الشال الأخير، مسكين جاسم السعدون صاحب «الشال»، عقود طويلة وهو ينفخ في قربة السلطة المثقوبة دون نتيجة، جاسم يؤذن في مالطا، ويصرخ محذراً على بشر لا يسمعون.

استعرض تقرير الشال معظم سواد الوجه في الإدارة السياسية، أو كما يسميها جاسم «حراج السياسة العامة»، من الأولويات الغائبة سواء كانت في عهد «حكومة تصريف الخامل من الأمور»، التي استغرقت بمجموعها نحو 30 في المئة من زمن الحكومات منذ تاريخ 14 ديسمبر 2020، أو كانت في عهد الحكومة ذاتها التي لم تحسم أي أمر حين كانت هي الحكومة الأصلية، واستعرض التقرير حالة التعليم المزرية من الروضة حتى جامعة الكويت التي أضحت في أدنى السلم الأكاديمي، وتعرض كذلك لخلل ميزان العمالة، والعلاج السياحي، وسرطان القرارات الشعبوية حين تفلس القادم لشراء ولاءات أهل الحاضر... والقائمة لا تنتهي في إدارة الهون أبرك ما يكون، فهي تنتقل من فشل إلى فشل آخر، ومن تسويف إلى تسويفات، وفي الآخر ننتهي بـ «خل القرعى ترعى».

Ad

صراحة أغلب الناس يفكرون في حاضرهم وهمومهم اليومية أكثر من غدهم، وهذه طبيعة بشرية، وتزداد الصورة قتامة في دول الريع الثرية التي يستلم فيها البشر دخولهم، ويتناقلون ثرواتهم وسلطانهم بالوراثة دون عطاء مقابل للمجتمع، الناس ينتظرون 3000 دينار منحة المتقاعدين التي أذلت خلق الله، ولا يفكرون مثلاً في إصلاح الجامعة، ومن يكترث إن كنت خريج تكنولوجيا نووية من «إم أي تي» أو كنت خريج كلية الشريعة أو إدارة أعمال من جامعات أي كلام، كله صابون بديرة إن حبتك عيني ما ضامك الدهر.

أيضاً كثير من الناس يقولون في صدورهم، ماذا يعني أن تصرف الدولة 500 مليون دينار لحساب المنحة إذا كان مدير «التأمينات» السابق متهماً بسلب 750 مليون دينار من الأموال العامة بالمؤسسة وظل في منصبه المريح أكثر من ثلاثين عاماً يكسب ذاته وغيره في دائرة مغلقة لا نعرف من هم أبطالها؟ من عينه؟ من ثبته في مكانه لتلك السنوات الطويلة؟ من كان واسطته وسلمه الاجتماعي - السياسي؟ وأين كنتم عنه وعن الكثيرين من مافيا الاختلاسات من الأموال العامة؟ وأي عقوبات جدية وقعت عليهم؟ وهل نفذ أي منها...؟

صورة مضحكة، وشر البلية ما يضحك، قدمها لنا المرحوم خالد النفيسي في واحدة من مسرحياته حين قال: «لو يعطون كل واحد منا حصته من فلوس الديرة ويقولون له: اصرفها على كيفك انت وعيالك، ومالنا شغل بيك...»، نعم ماذا لو؟! والسؤال اليوم: هل سيبقى شيء يقدمونه للناس بعد عقود الخراب؟

● حسن العيسى