العالم الإسلامي ينقلب على الهند
قبل أيام انشغلت نيودلهي بافتعال حرائق دبلوماسية خطيرة في أنحاء العالم الإسلامي، بعدما أدلى قادة «حزب بهاراتيا جاناتا» الهندوسي القومي الحاكم بتعليقات مهينة حول الإسلام والنبي محمد، فاشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي في العالم العربي بالمواقف الشاجبة، ثم قدّم أكثر من 12 بلداً (بدءاً من المملكة العربية السعودية وإيران وصولاً إلى المالديف وإندونيسيا) احتجاجات رسمية غير مسبوقة إلى حكومة ناريندرا مودي.يبدو توقيت الاحتجاجات الدبلوماسية لافتاً بقدر الاحتجاجات نفسها، فكانت تعليقات المتحدثين باسم «حزب بهاراتيا جاناتا» أسوأ من معظم التطورات التي شهدها الخطاب السياسي الهندي في الفترة الأخيرة، ففي آخر سنتين شارك قادة «حزب بهاراتيا جاناتا» في مؤتمرات تدعو علناً إلى إبادة المسلمين، وفي عام 2019، بعد الاحتجاج على «قانون تعديل المواطنة» المثير للجدل، أعلن مودي شخصياً خلال تجمّع سياسي أن المحتجين يمكن معرفتهم انطلاقاً من «أسلوب ملابسهم»، مما يشير إلى اللباس التقليدي الذي يرتديه المسلمون، حتى أن أحد الوزراء دعا إلى إطلاق النار عليهم في الشارع واعتبرهم «خونة»، ولا يزال هذا الوزير جزءاً من حكومة مودي.لكن لماذا تجاهل العالم العربي هذه المؤشرات التحذيرية كلها وقرر فجأةً أن يضع حداً للتعليقات المهينة بحق النبي محمد؟
يتعلق جزء من الأسباب بالظروف الجيوسياسية، فخلال الأسابيع القليلة الماضية تصاعدت الخلافات بين القوات الإسرائيلية والفلسطينيين حول مجموعة من المسائل، وفي أبريل من هذه السنة، اقتحمت القوات الإسرائيلية المسجد الأقصى في القدس وأوقفت الصلوات واستهدفت عدداً كبيراً من الناس، وفي الشهر الماضي قتلت القوات الإسرائيلية شيرين أبو عاقلة، مراسلة في قناة «الجزيرة»، خلال هجوم مستهدف، وقبل بضعة أسابيع على وقوع تلك الحادثة، أصدرت محكمة إسرائيلية عليا قراراً يقضي بطرد نحو ألف فلسطيني من إحدى مناطق الضفة الغربية، وهو قرار غير مسبوق يعتبره الكثيرون تمهيداً لطرد المزيد من الناس.في الحالات العادية، كان هذا النوع من التصعيد سيطلق رداً دبلوماسياً قوياً في العالم العربي، لكن الوضع تغيّر بكل وضوح لأن جزءاً كبيراً من دول الخليج يواجه المشاكل مع إيران ويتعامل مع التداعيات الاقتصادية الناجمة عن الحرب في أوكرانيا، فبعد مقتل أبو عاقلة مباشرةً، رفضت بعض دول الخليج لوم إسرائيل وامتنعت عن إصدار أي تصريح حول ما حصل.وبما أن الحكومات العربية لا تملك المساحة الاستراتيجية اللازمة للتحرك ضد إسرائيل، فقد يُركّز عدد منها على التفاعل مع مشاعر الغضب المتوسعة ضد القومية الهندوسية في الهند لأن تأثير نيودلهي يبقى ضعيفاً نسبياً في الشرق الأوسط. تشعر الحكومات منذ الآن بالقلق من توسّع المشاعر القومية الهندوسية ووصولها إلى الشتات الهندي مما يزيد الاضطرابات في الدول المضيفة، وفي 2020، طُرِد عدد من الهنود العاملين في الإمارات وأماكن أخرى لأنهم نشروا تعليقات معادية للإسلام على مواقع التواصل الاجتماعي خلال حوادث منفصلة، وفي السنة نفسها كتب عالِم دين سعودي تغريدة تدعو إلى طرد الهندوس المتشددين من الخليج.تُعتبر هذه النزعات كلها كارثية بالنسبة إلى الهند، ويشمل الخليج أكبر عدد من الشتات الهندي في الخارج ويشكّل مصدراً أساسياً للتحويلات المالية، وتستضيف الإمارات العربية المتحدة وحدها نحو ثلاثة ملايين ونصف هندي (وهو أكبر عدد من المغتربين الهنود في أي بلد فردي)، وهم يرسلون 20% من إجمالي التحويلات المالية إلى الهند، كذلك تستورد الهند ما يقارب الأربعين في المئة من إمدادات الوقود من إيران ودول الخليج، وفي الوقت نفسه كانت نيودلهي تتمنى منذ وقت طويل أن تشكّل إيران بوابة لآسيا الوسطى الغنية بالموارد، مما يعني عدم الاضطرار للمرور بباكستان.زاد وضع الهند سوءاً بعد انتشار الانتقادات ضد القومية الهندوسية في أماكن تتجاوز حدود العالم الإسلامي، وقبل أيام تكلم وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، عن تصاعد الاعتداءات ضد الناس وأماكن العبادة في الهند، وهو موقف يكرره للمرة الثانية خلال شهرَين.وإذا استمرت حكومة مودي في تصعيد الخطاب القومي الهندوسي محلياً، فقد تزيد المشاكل الدبلوماسية التي يواجهها البلد خارجياً.