الدستور وسط التنور
مضى على صدور الدستور 60 عاماً. ومع أنه دستور على الحافة، يسمن قليلاً، ويغني عن شيء من جوع قليلاً، إلا أنه كان حين صدوره ناقلاً المجتمع من حالة عشائرية مطلقة، إلى شيء من المؤسسية، وعلى الرغم من محدوديته، فإن السلطة /الحكومة/ الأسرة ظلت تتعامل معه بقميص ضيق جداً، لابد من قطع أزراره، وإن أمكن تمزيقه نهائياً. وكانت تلك المحاولات تتم بأشكال مختلفة خلال ستة عقود، بلا هوادة، في 1966 و1967 و1976 و1986 وما بعد ذلك.إلا أن الدستور وهو لا يعدو كونه وريقات تمت صياغتها بعناية فائقة وروعيت فيها الطبيعة الاجتماعية، وتكييف ما هو غير ممكن ليصبح ممكناً، وخرج لنا كما نعرفه، بقضه وقضيضه، وبمكنته ونواقصه، عن الوصول إلى الكمال، أو حتى الاقتراب من الكمال.يطلق على دستورنا صفة «الجامد» وهو جامد لأنه من الصعب تغييره أو تنقيحه، إلا بأغلبية ثلثي المجلس وموافقة أمير البلاد، بمعنى آخر، لا يمكن تعديل الدستور إلا بصيغة توافقية.
لذلك حاولت السلطة أكثر من مرة تعديله من خارج السياق الدستوري ففشلت، وعندما قررت استخدام الطريق الدستوري قامت بخطوة استباقية بتغيير الدوائر الانتخابية من 10 إلى 25 دائرة مستهدفة عدداً من السياسيين المرشحين، ومع أنها نجحت في مسعاها في مجلس 1981، إلا أنها أيضاً فشلت في تمرير التعديل. فعادت لتتخذ قراراً استراتيجياً بالتخلص من البرلمان والدستور نهائياً في 1986، وفرضت الرقابة المسبقة على الصحافة وفعّلت قانون أمن الدولة، والملاحظ أنه كلما تفردت السلطة بالقرار فإننا موعودون بكارثة كبرى، كما أنه لم يحدث أن السلطة عندما تصبح محتكرة، أن تحسن الأداء الحكومي، بل إن الملاحظ هو أنه كلما عطل الدستور وغاب المجلس فإن سوء الإدارة يتفاقم والتراجع في كل المؤشرات يزداد.اللافت هو أن الدستور أنقذ المجتمع والدولة من أكبر أزمتين وهما الغزو وأزمة الحكم 2006.