لسنا بحاجة اليوم للحديث عن مظاهر الفساد وتشخيصه، فحال البلد وما وصل إليه من ترهل وتردٍّ ووهن في كل المجالات، حالة حاضرة، وتكاد تنطق كل يوم.ولسنا بحاجة لأن نفضفض عما نعيشه من تراجع مريع في أحوال البلد، ولا أن نتحلطم ونتذمر في مجالسنا عما آلت إليه الأمور في ديرتنا، على نمط التنفيس والمواساة.
ولسنا بحاجة للتنظير بشأن مداخل الفساد وعلله، ومخارج الإصلاح ووسائله وإجراءاته، لنضيع مزيداً من الوقت، والذي صارت عجلته باتجاه انحدار رأسي خاطف قد نتأسف في أي لحظة على عدم وقفه والتصدي له.ولسنا بحاجة لأحاديث بينية، أو حوارات جماعية لنضع النقاط على الحروف فيما ستواجهه البلاد من أيام مؤلمة قد يتعذر الخروج منها، إن لم نملك المبادرة والفعل والتحرك نحو التغيير.نعم، نحن اليوم بحاجة ملحة للجرأة والعزم والوضوح والمصارحة مع الحكم ومع الحاكم بخطاب مكاشفة مباشر، فنحن شركاء لا أجراء، وحينما يسقط البلد وينهار، فإن ذلك لن يكون قاصراً على الفاسدين، ولا على المقصرين، ولا على المتنفعين، ولا على الصامتين، بل هو انهيار سيأكل الأخضر واليابس، وسيلحق الصالح والطالح، وسيطاول الحاكم والمحكوم على حدّ سواء، لذلك لابد أن نصارح الحكم والحاكم، ونصدقه ونكاشفه مباشرة أن «الكويت ليست بخير»، وأنها للغرق أقرب منها للنجاة، وللسقوط أقرب منها للثبات، وللانهيار أقرب منها للبناء.فسفينة الوطن تتلاطمها أمواج عاتية متلاحقة، ونحتاج إلى حكمتهم وحنكتهم، لكونهم الملاذ الأكيد بعد الله سبحانه وتعالى، ونعرف عنهم حنوهم وحبهم للكويت وأهلها.ونحن بحكم إخلاصنا للوطن والحكم، نتصرف اليوم كرجال دولة مسؤولين وأبناء وطن مخلصين وكمواطنين صالحين وناصحين، فنتوجه للحكم والحاكم مباشرة بخطاب لا مواربة فيه، ولا مجاملة معه، ينم عن تقدير واحترام، ويضع النقاط على الحروف دون تملق أو تزيين أو تهوين.خطاب يلتقي عليه رجال وأهل الكويت كما هو في كل الجلل من الأحداث والمواقف، بوقفة جماعية بصوت مدوٍّ غيور، ليقول «ترا إذا فات الفوت ما ينفع الصوت».وليخاطب الحكم والحاكم، بأدب جم وعبارات منتقاة تعبر عن رقي الخطاب ومتطلباته، لكن مصحوب بوضع اليد على مواضع الجروح والألم، بكل أمانة وجرأة وثقة واقتدار، لنصارحه وننصحه أن «الكويت ليست بخير»، لأن وضع أسرة الحكم مقلق ومعلول بأعراض وأحوال غير مريحة، ولا مقبولة تتسم بالصراع والمنافسة المحمومة، أو الإحباط واليأس، أو ضعف التأهيل وقلة التدبير، وهو إحدى علامات مرض الدولة، وبداية تدهور أحوالها، ولربما لا قدر الله، تفككها وولوجها لدوامة لا يعلم منتهاها، ما يستوجب حتماً إصلاحاً داخلياً عاجلاً وبعلاج حكيم ناجع، دون تردد أو تأخير، ولا طبطبة ولا تبرير، بل جملة إجراءات وخطوات تعيد للحكم اعتباره ومبادرته وإمساكه لزمام الأمور، ووضع أبنائه أمام مسؤولياتهم، ومنع تجاوزاتهم، وحسم صراعهم وتنافسهم، فبداية الإصلاح ومدخله إصلاح أحوال الحكم وأسرته، فهو الأولى والأبدى، وهم القدوة والعزوة، ويلحقهم الصادقون والناصحون، ومن ثم نحن على ثقة بعدها أن عجلة الإصلاح لن تتوقف.نحتاج أن نرى رجال الكويت ممن خبرنا قديماً، ورأينا في الماضي القريب، الذين يتداعون ويتضامنون ويوصلون رأيهم وتخوفاتهم، ومواضع التوجس عندهم نهوضاً بمسؤولياتهم، وأداء لواجبهم الوطني تجاه الوطن والشعب والحكم في آن واحد.فلم تعد العزلة نافعة، ولم يعد التواري ناجعاً، ولم يعد الصمت علاجاً، ولم يعد الهمس طريقاً، بل لا مفر من المصارحة والمكاشفة والصدق في إيصال حال البلد لمن يعنيهم الأمر في القرار، وإعانتهم على إنقاذ البلد والتجاوب مع توجيهاتهم وطلباتهم، لنكون معهم يداً واحدة، لحماية الوطن والذود عنه، وانتشاله من عثرته، حتى لا تنال منه رياح الفساد وعواصفه الهائجة في غفلة من الزمن وأهل البلد.فهلا رأينا رجالات الكويت الغيورين والمخلصين يهبون لإنقاذ وطنهم.
أخر كلام
مخاطبة سلطة القرار ومصارحتها
15-06-2022