قرأ كريستوفر سكالوبا، خلال عمله في البنتاغون طوال عقد ونصف، تقارير وتقييمات لا تُعَدّ ولا تُحصى حول الجيش الروسي وطريقة تصدّيه لقوات حلف الناتو، لكنه يحمل رسالة جديدة إلى المخططين الدفاعيين بعد رحيله من منصبه ومراقبته تعثّر الغزو الروسي لأوكرانيا منذ أشهر: «كل واحد من تلك التقييمات التي قرأتُها في آخر عشر سنوات كان خاطئاً».

في جميع أوساط الناتو، بدأ المخططون الدفاعيون يعيدون تقييم قوة موسكو العسكرية في إطار خطط الطوارئ التي يحضّرونها في حال اندلاع حرب تقليدية بين الحلف وروسيا، ولو أنها تبقى مستبعدة، فقد بدأت إعادة التقييم غداة الانتكاسات العسكرية الروسية المحرجة في أوكرانيا، أو منذ أن اتضح استعداد الكرملين لإطلاق غزو عسكري شامل.

Ad

استنتج المخططون الدفاعيون في أبرز عواصم «الناتو» أنهم أخفقوا في فرضيتَين أساسيتَين طوال سنوات، وفي مقابلة مع صحيفة «فورين بوليسي»، يقول أمين عام حلف «الناتو» السابق، أندرس فوغ راسموسن: «أولاً، من الواضح أننا بالغنا في تقدير قوة الجيش الروسي، ورغم الاستثمارات الهائلة في المعدات العسكرية وإعادة فتح قواعد سوفياتية قديمة، شاهدنا جيشاً روسياً ضعيفاً جداً، ثانياً، يبدو أننا استخففنا بوحشية الرئيس فلاديمير بوتين وطموحاته».

يتعلق أحد السيناريوهات المحتملة باستعداد جيوش «الناتو» منذ وقت طويل للاستيلاء على أراضي دول البلطيق سريعاً، في الجناح الشرقي الهش للناتو. خطّط أعضاء الحلف لاسترجاع تلك الدول من القوات الروسية وتدربوا على تنفيذ عمليات مماثلة، على افتراض أن روسيا تستطيع التفوق على جيوش الحلف بسرعة والاستيلاء على الأراضي قبلها.

لكن بعد مشاهدة سوء أداء القوات الروسية ضد الجيش الأوكراني، بدأ بعض المخططين الدفاعيين الأميركيين والغربيين يشجعون «الناتو» على إعادة تقييم تلك الخطة: من خلال استعمال التركيبة المناسبة من قوات الحلف وهياكل القيادة والمعدات العسكرية في البلطيق، يمكن ردع أي غزو من جانب القوات الروسية، وفي المقابل أصبحت محاولات روسيا غزو أراضي «الناتو» في البلطيق عملية مستبعدة فجأةً.

يصعب التحقق من حجم الخسائر البشرية التي تكبدها الطرفان خلال الحرب الروسية في أوكرانيا، لكن من الواضح أن روسيا تكبدت خسائر هائلة حتى الآن، وأكد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي مقتل نحو 30 ألف جندي روسي، لكن تقديرات الحكومة البريطانية تشير إلى اقتراب ذلك العدد من 15 ألفا، ومع ذلك، تحتفظ موسكو حتى الآن بعدد احتياطي هائل من العسكريين والمجندين، حتى لو كانوا يفتقرون إلى التدريبات والمعدات، ولا تنوي على ما يبدو الانسحاب من الحرب.

مرّت الحرب حتى الآن بمرحلتَين مختلفتَين: هجوم أولي على كييف بناءً على افتراض مغلوط مفاده أن الحكومة الأوكرانية قد تسقط خلال أيام معدودة، واستمرار القتال في إقليم «دونباس» في شرق أوكرانيا، حيث تأثر مسار العمليات بأداء كبار الضباط العسكريين الروس.

يقول مايكل كوفمان، خبير في شؤون الجيش الروسي في «مركز التحليلات البحرية»: «في أولى مراحل الحرب، كانت أكبر مشكلة تتعلق بطبيعة الخطط أكثر من الجيش، لكننا أصبحنا اليوم أكثر قدرة على تقييم قدرات الجيش الروسي».

خلال المرحلة التي سبقت إطلاق الحرب، ساد إجماع واسع في الغرب مفاده أن المقاومة العسكرية الأوكرانية ستنهار سريعاً إذا أطلقت روسيا هجوماً شاملاً، لكن المقاومة الأوكرانية الفاعلة والمتماسكة أثبتت أن تلك التوقعات غير صحيحة، وفي مطلق الأحوال قد يجد «الناتو» صعوبة في استخلاص دروس مباشرة من الصراع نظراً إلى وفرة المتغيرات فيه.

برأي تيم تاونساند، وهو مسؤول سابق في البنتاغون وخبير في الأمن العابر للأطلسي، قد يتصاعد أي صراع محتمل بين روسيا و«الناتو»، ولو أنه مستبعد حتى الآن، فيتجاوز حدود القتال الحاصل في أوكرانيا راهناً بين القوات البرية ويزيد احتمال أن تتكل روسيا على ترسانتها النووية التي لم تخضع للاختبار بعد.

يقول تاونساند إن روسيا لم تستعمل جزءاً كبيراً من قدراتها العسكرية في هذه الحرب حتى الآن، ويجب ألا يفترض «الناتو» أن عدداً أصغر من جنوده الأكثر تدرّباً يستطيع الصمود في وجه قوة روسية غازية وأكبر حجماً، لذلك يجب ألا يتنفس «الناتو» الصعداء لمجرّد أن الجيش الروسي تعثّر في أوكرانيا.

في النهاية، يستنتج تاونساند: «اتكلت روسيا على فرضيات غبية انعسكت سلباً على أدائها، لكننا قمنا بفرضيات غبية أيضاً حول برنامج تحديث الجيش الروسي، كما تتعدد الأسباب التي تقنعنا اليوم بأن الروس غير أكفاء... لكننا سنتعامل مع دب جريح لا يزال بالغ الخطورة».

● روبي غرامر

● روبي غرامر - فورين بوليسي