بقايا خيال: أهانوا المتقاعدين «على ما ميش»
«جعجعة بلا طحن» أو «كثير من اللغط حول لا شيء» (Much Ado About Nothing)، مسرحية الأديب الإنكليزي المبدع وليام شكسبير، جمعت بين قمة المرح وجدية طرح موضوع الشرف والعار والسياسة داخل البلاط الملكي، للتعبير عن إمكانية استخدام الخداع كوسيلة لتحقيق غايات متنوعة، فهم يرون أن شرف المرأة قد انحصر في الحفاظ على عذريتها حتى الزواج أو شرف الوفاء لزوجها، ويرون أن شرف الرجل لا علاقة لها بعفته، وأهم أنواع الشرف عند الرجل هو شرف الكلمة والالتزام بالوعود والتعهدات، وهذا ما تحاول المسرحية أن توضحه للجمهور، حتى لو كان لغطا حول لا شيء، ولهذا عندما تسمع جعجعة بلا طحين في أي مكان، فتأكد أنها صادرة عن أناس فقدوا القدرة على اتخاذ القرار، أو أنهم تعمدوا إلهاء الناس بقضايا هامشية غير مفيدة. وفي الكويت لدينا جعجعة حكومية ولغط برلماني حول عدد من القضايا السياسية والاقتصادية، وما قضية الثلاثة آلاف دينار الخاصة بالمتقاعدين إلا إحدى جعجعات حكومة «تضيع بشربة ماء» وثرثرة برلمانيين لا ترى منهم إلا بطولات وهمية مع حكومة وضعت أغلب النواب «تحت أباطها» لكي تسرح وتمرح على كيفها، فهذه المبالغ التافهة التي يستحقها المتقاعدون والموظفون الكويتيون الذين يسددون أقساطاً شهرية حتى نهاية مدة خدمتهم، ادعى السياسيون تارة أنها مكافأة، وتارة وصفوها بأنها بونص، وتارة ثالثة أطلقوا عليها منحة، وفي كل الأحوال لم يقبض المواطن أي فلس، بسبب المشاحنات السياسية بين السلطتين التنفيذية والتشريعية التي لم تتوقف منذ قرابة عام كامل حتى يومنا هذا، فمرة تقف الحكومة مع النواب لتلبي المطالب الشعبية، ومرة أخرى تلجأ للتسويف والتأجيل بحجج قانونية واهية، ومرة ثالثة ترفض هذه المطالب بمجملها. الغريب في الأمر أن وزير المالية ووزير الدولة للشؤون الاقتصادية والاستثمار ورئيس مجلس إدارة المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية، كان قد تعهد بتحقيق مطالب النواب في هذا الشأن، وصرح عبر وسائل الإعلام مبشراً المتقاعدين بقرب تحقيق رغبتهم في الحصول على المنحة، ثم فجأة وبعد أيام قليلة «لحس كلامه» مصرحاً بأنه لا يجوز قانونياً توزيع المنحة للمتقاعدين، ورغم تعدد مصادر الأخبار الموثوقة لوسائل الإعلام المحلية المتنوعة، وهي مصادر قريبة من مواقع اتخاذ القرار، فإنها لم تؤكد ما إذا كانت مؤسسة التأمينات الاجتماعية ستوزع المنحة أم لا، فتارة يصرحون بأنها أجلت إلى أجل غير مسمى لمزيد من الدراسة، وتارة أخرى يصرح مجموعة من النواب أن هناك توافقا نيابياً– حكومياً حول ضرورة شمول المنحة جميع المتقاعدين، وتارة ثالثة نقرأ عن أن هذه المنحة تعثرت بسبب عراقيل قانونية.
ومع كل تصريح يتأرجح ضغط الدم والسكر عند المواطنين بين الصعود والهبوط، دون أن نصل إلى نتيجة حتمية أو حاسمة، وكما صرح النائب شعيب المويزري، أن الموضوع لا يستحق كل هذا الجدل، ولا يتطلب الرجوع لمجلس الأمة لتمرير قانون، لأن الحكومة قادرة على اتخاذ القرار بجرة قلم لإيداع المبالغ في حسابات المتقاعدين، وكفى الله المؤمنين شر القتال، إلا أن شيئا واحداً تأكد لدى المواطنين، متقاعدين وموظفين، أن كل هذه الجعجعة والتسويف لتحقيق بطولات سياسية زائفة ما هي إلا إعداد للانتخابات المقبلة.