من صيد الخاطر: «فِي بَيتِهِ يُؤتَى الحَكَمُ»
«فِي بَيتِهِ يُؤتَى الحَكَمُ» مثلٌ يضرب فيمن قصد أمراً، فقصده عند أهله لا غير، وأصله أن العرب زعمت أن الأرنب التقط تمرة، فاختلسها منه الثعلب فأكلها، فانطلقا يختصمان إلى الضب، فبادر الأرنب قائلا: يا أبا الحِسْل، فقال الضب: سميعاً دعوتَ.قال الأرنب: أتيناك لنختصم إليك، فقال الضب: عادلاً حَكَّمْتُما.قال الأرنب: فاخرج إلينا، فقال الضب: «في بيته يؤتى الحكم».
قال الأرنب: إني وجدت تمرة، قال الضب: حلوة فكلها.قال الأرنب: اختلسها الثعلب وأكلها، قال الضب: لنفسه بغى الخير.قال الأرنب: فلطمته على وجهه، قال الضب: بحقك أخذت. قال الأرنب: لكنه لطمني، قال الضب: حرٌّ انتصر.قال الأرنب: فاقض بيننا، قال الضب: قد قضيت.فذهب كل ما قيل على لسان الضب أمثالاً من أمثال العرب.تعدّ هذه القصة والمحادثة بين الأرنب والضب أحد أشهر المحادثات في الأدب العربي، وقد تكون أقصرها، ودلّت على فصاحة لسان العرب، فخير الكلام ما قلّ ودلّ، ولكن الواضح البيّن أن ليس فيها شيء من العدل، فالقاضي تباهى علينا بفصاحته، وسرعة بديهته، لكنه بها أضاع على المظلوم حقه، فحضرة الضب القاضي هنا لم يحكم بشيء، وما فعله أنه استغل قضية الأرنب ليتحفنا ببلاغة طريفة جميلة، لكنها لم تنفع الأرنب المسكين... أبعد الله عنا هذا النوع من القضاة، فكثيرا ما ضاعت حقوق ضحية لفصاحتهم.ملحوظة: منقول من التراث بتصرف.