بدأ حوار «شانغريلا» في سنغافورة يُحقق النجاح في عام 2007، وسرعان ما أصبحت الصين والأهمية المتزايدة لمنطقة المحيطَين الهندي والهادئ محور النقاشات فيه، لم ترسل الصين أي وزراء لتمثيلها، لكن أثبت حضور نائب الوزير والجنرال تشانغ كين شانغ في عام 2007 أن بكين تعتبر ذلك المنتدى فرصة لتطوير العلاقات الدبلوماسية العامة وإثبات قدرتها على زيادة شفافيتها حول عملياتها في بحر الصين الجنوبي وأماكن أخرى، لكن إلى أي حد لا يزال هذا الوضع على حاله اليوم، في ظل تصاعد الانتقادات التي تواجهها الصين؟منذ بضعة أيام، خلال حوار «شانغريلا» هذه السنة، استعمل مسؤولون من اليابان والولايات المتحدة لهجة صدامية في خطاباتهم، فألقى رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا خطاباً لاذعاً من دون تسمية الصين مباشرةً، ودعا إلى التشكيك بالمحاولات الأحادية الرامية إلى تغيير الوضع القائم بالقوة في بحر الصين الشرقي، حتى أنه هاجم الخطط المتعلقة بتايوان وذكر أن النشاطات الصينية في المضيق تتعارض مع مبادئ تنوّع الشعوب والإرادة الحرّة وحقوق الإنسان، كذلك أكد وزير الدفاع الأميركي، لويد أوستن، على سياسة واشنطن المبنية على الغموض الاستراتيجي والالتزام بقانون العلاقات مع تايوان، لكنه واجه بكين بسبب عدائيتها في مضيق تايوان.
ردّت الصين بقوة على خطابات كيشيدا وأوستن، فاعتبر مسؤول صيني بارز خطاب أوستن «صدامياً»، ويقال إن وزير الدفاع الصيني وي فينغي أبلغ نظيره الأميركي بأن الصين مستعدة لسحق أي خطة قد تمنح الاستقلال إلى تايوان، وهي تتمسك بتوحيد الوطن الأم، وعند النظر إلى حوار الأسبوع الماضي، من دون مراجعة سلسلة المنتديات الإقليمية الأخرى، قد تبدو نبرة الصين دفاعية أو حتى عدائية، لكن لا يعني ذلك أنها غير مستعدة للتواصل مع الآخرين.تستطيع الصين أن تحاول التأثير على الآخرين بما يصبّ في مصلحتها، فدعا المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية الجنرال في جيش التحرير الشعبي، ياو يون تشو، من الأكاديمية الصينية للعلوم العسكرية لحضور الحوار الذي ينظّمه. اعتبر النقاد إطلالاتها الست في حوار «شانغريلا»، آخرها في عام 2018، فوق المستوى المطلوب، لا سيما حين طرحت نصائح صادقة حول كيفية تعامل بلدها مع الانتقادات الغربية في ما يخص التزامات البلد على الساحة الدولية، أعلنت ياو أن الصين مضطرة لاختراق حاجز الحوار. طغى العنصر الرسمي أو الحكومي في حوار «شانغريلا» على عناوين الأخبار، لكن منتدى المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية شكّل قناة خلفية أو غير رسمية لتقديم فسحة للخبراء والأكاديميين والقطاع الخاص وأطراف أخرى للتواصل مع كبار المسؤولين أو في ما بينهم، حتى أن هذا المنتدى سهّل تبادل الأسئلة والأجوبة بين المسؤولين الحكوميين، بما يتجاوز التبادلات الدبلوماسية العامة، فنشأت بذلك بيئة شبه سقراطية تسمح باستيعاب الانتقادات واقتراح الحلول.حين طرح تشاو جاو شو، مسؤول بارز في أكاديمية العلوم العسكرية وممثّل جيش التحرير الشعبي الصيني، سؤالاً على وزير الدفاع السنغافوري نغ إنج هان قبل أيام، أجابه هذا الأخير بأن الصين مضطرة لاتخاذ قرارها حول أهمية الحوار الذي تشارك فيه، ثم تساءل: «هل يجب أن يشارك البلد في منتدى مفتوح، ويواجه سيلاً من الأسئلة، ويتعامل مع وجهة نظر مشتركة يحملها الآخرون عنه، ويحصل على فرصة تفسير موقفه؟ أم من الأفضل أن ينسحب من ذلك الحوار؟ يجب أن تتخذ الصين هذا القرار بنفسها».في النهاية، تبقى مشاركة الصين في سنغافورة خطوة إيجابية تستحق التشجيع، حتى لو كان البلد يختبئ وراء مواقف وخطابات صدامية ظاهرياً، ويُعتبر حوار «شانغريلا» منتدىً دفاعياً إقليمياً مستقلاً واستثنائياً، وهو يختلف عن المنتديات الحكومية الدولية التي تحمل طابعاً رسمياً مفرطاً، كما تواجه الصين اليوم مرحلة مفصلية من تاريخها، فهي تحاول كبح الانتقادات الدولية التي تتعرّض لها تزامناً مع استعراض قوتها، ومن الواضح أن الرئيس الصيني شي جين بينغ سئم من الانتقادات، لذا قد يكون إرسال وفود قوية إلى المنتديات الأمنية التي تتبع النمط الغربي حلاً مناسباً لهذه المشكلة.*مارك س. كوغان
مقالات
هل الصين جدّية في التزاماتها خلال حوار «شانغريلا»؟
19-06-2022