سياسة بايدن في تايوان هي الأخطر في العلاقات الصينية - الأميركية
تبقى «الاستراتيجية الغامضة» تجاه الصين أكثر منفعة للولايات المتحدة، فمن جهة تستطيع واشنطن أن تحافظ على علاقتها الاستراتيجية مع بكين، من دون قطع الروابط معها بالكامل، عبر استنكار «سياسة الصين الواحدة»، ومن جهة أخرى قد تتصدى واشنطن للصين عبر مساعدة تايوان.
في سياق المنافسة الاستراتيجية بين الصين والولايات المتحدة، جذبت أول زيارة للرئيس الأميركي جو بايدن إلى اليابان أنظار الجميع، فقبل زيارته، كان معظم الاهتمام يصبّ على طرح «الإطار الاقتصادي لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ»: إنه الأساس الاقتصادي الذي طال انتظاره لسياسة بايدن الإقليمية، لكن سرعان ما سرقت تعليقات بايدن اللافتة حول تايوان الأضواء، فتذكّر الجميع أن ملف تايوان هو الأخطر في المنافسة الاستراتيجية بين الصين والولايات المتحدة.في 23 مايو، عقد بايدن مؤتمراً صحافياً مع رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا في طوكيو، فقال إنه سيدافع عن تايوان بالقوة إذا تعرّضت للهجوم من جانب الجيش الصيني. هذا التعليق أطلق نقاشاً علنياً حول نزعة الولايات المتحدة إلى تغيير «غموضها الاستراتيجي» تجاه تايوان: إنها الاستراتيجية التقليدية التي تحظى بقبول واسع وسط النُخَب السياسية الأميركية. يؤكد موقف بايدن على إصرار الولايات المتحدة على اختبار نوايا الصين بشأن مضيق تايوان في جميع المناسبات، إنه أخطر عامل في العلاقات الصينية الأميركية وفي الوضع الأمني الإقليمي، وفي النهاية يُعتبر بايدن سياسياً حكيماً ويتمتع بخبرة دبلوماسية واسعة، لذا لا يمكن اعتبار تعليقاته المتكررة حول تايوان مجرّد «زلة لسان»، بل يكمن منطق استراتيجي أميركي عميق وراء كلماته.في ظل توسّع القوة الصينية اقتصادياً وعسكرياً، يجب أن تحمي بكين مصالحها الحيوية على المدى الطويل، بما في ذلك حل مسألة تايوان وإعادة توحيدها مع الصين، وفي المقابل، قد تحاول الولايات المتحدة إعاقة خطة الصين للحفاظ على هيمنتها، وتقضي الاستراتيجية الأميركية على المدى الطويل باحتواء القوات الصينية في أول سلسلة جزر (تشمل تايوان). لذا قد تصبح تايوان محور المنافسة بين الصين والولايات المتحدة.
لكن يجازف الأداء الأميركي في أفغانستان وأوكرانيا بإضعاف مصداقية واشنطن الاستراتيجية لفترة طويلة، فيخسر حلفاء آخرون ثقتهم بالولايات المتحدة، ولهذا السبب، تهدف تصريحات بايدن المتكررة حول رغبته في الدفاع عن تايوان بالقوة إلى طمأنة الشركاء مجدداً.قد تصبح حظوظ الحزب الديموقراطي مُهددة بسبب تراجع نسبة تأييد بايدن (تقتصر اليوم على 39%)، مع اقتراب الانتخابات النصفية في نهاية هذه السنة ثم الانتخابات الرئاسية بعد سنتين، وبما أن المنافسة الاستراتيجية مع الصين تبقى على رأس أولويات الاستراتيجية الخارجية الأميركية، يجب أن يثبت بايدن قوته في ملف مضيق تايوان، فهو لا يستطيع أن يتقبل تفوّق الصين على الولايات المتحدة في عهده. مع ذلك، ادعى بايدن وكبار المسؤولين الأميركيين مراراً أن الاستراتيجية الأميركية تجاه تايوان لم تتغير، وهم يشعرون بالقلق من مواجهة ردود أفعال متلاحقة قد تدمّر العلاقات الصينية الأميركية نهائياً، لذا تبقى «الاستراتيجية الغامضة» أكثر منفعة للولايات المتحدة، فمن جهة تستطيع واشنطن أن تحافظ على علاقتها الاستراتيجية مع بكين، من دون قطع الروابط معها بالكامل، عبر استنكار «سياسة الصين الواحدة»، ومن جهة أخرى قد تتصدى واشنطن للصين عبر مساعدة تايوان أو حتى المشاركة في الدفاع عنها.لكن لا تستطيع الصين من جهتها أن تتنازل في ملف تايوان، وبعد تعليقات بايدن الأخيرة حول هذه المسألة، ردّ المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، وانغ ونبين، بأسلوب فظ فقال: «نحن نقدم نبيذاً فاخراً لأصدقائنا، لكننا نستعمل الرصاص للترحيب بالذئاب». في الوقت نفسه، دخلت طائرات «جي-10» و«جي-16» التابعة لجيش التحرير الشعبي «منطقة تحديد الدفاع الجوي» في جنوب غرب تايوان لفرض شكلٍ من الردع الاستراتيجي، ويثبت رد الصين القوي والمدروس مدى أهمية مسألة تايوان بنظرها وخطورة أي استفزازات محتملة في هذا الملف.* شي واي شون