«الحياد خيانة، وإن لم تكن معي فأنت خائن»... هذا خلاصة ما أتحفنا به السادة النواب المعتصمون في مجلس الأمة الذين شمروا عن سواعد «الافتراء» وأصدروا بياناً معيباً يدَّعون فيه أن الصحافة المحلية، ومنها «الجريدة»، ارتكبت سقطة إعلامية لا تليق بها، في الوقت الذي اهتمت بهم صحف العالم والوكالات الإخبارية الدولية.

وقال المعتصمون، في بيانهم الاتهامي أمس، إنه «في الوقت الذي تتناقل به الصحافة العالمية والوكالات الدولية أخبار ما تمر به الكويت من محطات سياسية مهمة وحرجة، تلاقت بها إرادة الشعب وممثليه من نواب مجلس الأمة، رافضين العبث بالدستور وتعطيل مواده، غابت بعض وسائل الإعلام والصحافة الكويتية عن هذا المشهد في سقطة لا تليق بسلطة رابعة يستوجب عليها الانتصار للدستور والشعب الكويتي».

Ad

وهي نفس الاتهامات التي استبقها النائب د. عبدالكريم الكندري عندما خاطب، قبل يومين، المواطنين الموجودين في ساحة الإرادة: «إذا كان معهم المال والإعلام، فنحن معنا الناس، وإذا كان معهم السلطة فنحن معنا الشعب».

ونسي أصحاب تلك الادعاءات، قبل أن يطلقوها، أو على الأرجح تجاهلوا، أن صحافتنا حرة محترفة، وليست طرفاً في مطالباتهم أو مطالبات غيرهم، وأن مبدأنا النشر الحر الشفاف، ومنح القارئ حقه في الاطلاع على الحدث والمعلومة الصحيحة بغض النظر عن أننا معها أو ضدها، ولا ننشر الأخبار من مبدأ التأييد أو المعارضة كما هو منظورهم الضيق والدائم والجائر في النظر إلى الأمور.

ولم يكلف مصدرو البيان، الذي ينضح بإلقاء التهم، أنفسهم عناء أن يتصفحوا أعداد «الجريدة» ليروا كم خبراً على صفحاتها البرلمانية بل على صفحتها الأولى، وكم تغريدة أطلقتها بشأن هذا الاعتصام، وكم سلطت الضوء على ما حدث معهم؛ فالصحيفة التي تريد أن تتجاهل حدثاً لا تنشر عنه خلال 4 أيام فقط من يوم إعلانه 4 أخبار كبيرة مطبوعة، أحدها مانشيت على الصفحة الأولى، بمعدل خبر كل يوم ما يعني أن التغطية لم تنقطع يوماً واحداً، كما لا تكلف نفسها عناء أن تنشر عبر حسابها على تويتر 11 تغريدة إحداها فيديو خاص للنائب شعيب المويزري، هذا إضافة إلى تناول الاعتصام بالتعليق والتحليل في مقالات عديدة بأقلام عدد من أهم كتاب «الجريدة».

لكن المعيار عندهم في المقام الأول، كما ذكرنا، أن تقف معهم وتتبنى آراءهم وتدافع عنهم وتهاجم مهاجميهم وإلا اتهموك بتجاهلهم، متناسين أن الصحافة الحرة ليس دورها مجاملة النواب أو الوزراء أو أن تكون أداة بيد سلطة أو مجموعة أو تيار معين، وإنما دورها الأساسي نشر المعلومات كما هي على أرض الواقع. ومن المفارقات أن يأتي هؤلاء النواب المعتصمون اليوم ليشتكوا غياب الصحافة، كما يرون، ملتمسين منها تبني آرائهم وتسليط الضوء عليهم، مع أنهم لم يقفوا يوماً معها في وجه القوانين المتشددة المتتابعة التي كانت تقص أجنحتها وتحد حريتها وتغل أيديها عن القيام بواجبها، بل إن كثيراً منهم ساهم في إصدار تلك القوانين بأعذار واهية وحجج مختلفة، ورغم ذلك ظلت صحافة الكويت، كما هي، مضطلعة بدورها وفقاً لما يمليه عليه ضميرها وعملاً بمبادئها الاحترافية والعملية، لا ابتغاء مرضاة أحد يتهمها بالخيانة إذا لم تصبح بوقاً يردد خلفه ما يقول.

بيان المعتصمين خلا من مبادئ الشفافية والعدالة واحترام الآخر، وما أصعب أن يستأثر لنفسه بالرأي والحكم على الأشياء واحتكار سلطة منح صكوك الوطنية مَن هو مفترض عليه أن يدعو إلى الحريات ويقبل الرأي الآخر... وعيب يا نواب الأمة!