لقد تصرف الاتحاد الأوروبي بشكل أسرع وأكثر حسماً وبوحدة أكبر تجاه الغزو الروسي لأوكرانيا مقارنة بأي أزمة سابقة أخرى، فقام مع حلفائه والدول الأعضاء فيه بتقديم دعم عسكري واقتصادي وإنساني مهم للحكومة الأوكرانية والضغط الشديد على الكرملين لوقف الفظائع التي يرتكبها، ولكن الصعوبات التي واجهت الاتحاد في فرض حظر مشترك على النفط ضد روسيا تكشف عن خلافات بين الحكومات التي تعكس أيضاً وجهات نظر مختلفة في كيفية التعامل مع نقطة التحول التي نشهدها منذ 24 فبراير.ليس هذا وقت الشقاق فحرب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين العدائية ضد أوكرانيا قد فتحت فصلا جديدا في أزمة أوروبا التي لا يبدو أنها ستنتهي، كما أنها تمثل قطيعة هيكلية مع الماضي مما يعطّل بشكل عميق البنية الأمنية للقارة ويقوّض الافتراضات الأساسية في معظم مجالات صنع السياسة في الاتحاد الأوروبي.
يجب أن تتوافر لدى قادة الاتحاد الأوروبي الإرادة السياسية والقدرة على التحمل من أجل إعداد الاتحاد الأوروبي لحقبة جديدة مع عدم وجود محرّمات عندما يتعلق الأمر بتطبيق سياسات رئيسة مبتكرة وإنشاء هياكل حوكمة أكثر فاعلية، وللقيام بذلك ينبغي عليهم الاستمرار في إظهار الوحدة والطموح ضمن مسار إصلاحي ملموس.وعليه يجب أن يوافق المجلس الأوروبي في قمة الاتحاد الأوروبي التي ستعقد في الفترة من 23 إلى 24 يونيو على إنشاء «مجموعة حكماء» مكلّفة بتحديد أولويات السياسة الأساسية وإصلاحات الحوكمة التي تعكس الضرورات الحالية ونتائج مؤتمر مستقبل أوروبا، حيث تتطلب الإجراءات الجوهرية أكثر من مجرد خطابات وتصريحات حسنة النية، فقد استجاب البرلمان الأوروبي لمؤتمر مستقبل أوروبا بالدعوة لإبرام معاهدة أوروبية، بحيث يتعين على حكومات الاتحاد الأوروبي أيضا الالتزام بإصلاحات محددة.ستساعد مجموعة الحكماء- التي تضم شخصيات تتمتع بثقل سياسي وممثلين عن الأجيال الشابة- قادة الاتحاد الأوروبي على الاتفاق على مجموعة من السياسات العاجلة المبتكرة وتحديد طرق لتحسين هيكلة حوكمة الاتحاد، وصياغة خريطة طريق إصلاحية طموحة.إن هناك العديد من المجالات التي تتطلب الاهتمام، بادئ ذي بدء يوجد لدينا مقاربة الاتحاد الأوروبي تجاه المناطق المجاورة له وتوسيع الاتحاد على ضوء الوضع الجديد بعد 24 فبراير بالإضافة الى دور الاتحاد في الاستثمارات الدفاعية ونطاق بند الدفاع المتبادل الخاص به، وهناك أيضا حاجة لإعادة تحديد جذرية لاعتماد الاتحاد الأوروبي على الطاقة وجهوده لمواجهة تغير المناخ والتي ترتبط بمرونة الاتحاد الاقتصادية والاستقلالية الاستراتيجية في المجالات الأساسية.هناك أيضا حاجة لإصلاحات مؤسسية من أجل تعزيز حماية القيم والمبادئ الأساسية مثل حكم القانون وتحسين القدرات المتعلقة باتخاذ القرارات وذلك من خلال الاستخدام الموسع لتصويت الأغلبية المؤهلة، وأخيراً يجب على المجموعة النظر في كيفية تعميق ديموقراطية الاتحاد الأوروبي من خلال الموازنة بين مزايا المؤسسات التمثيلية والحاجة إلى تعزيز مشاركة المواطنين في عمليات صنع السياسة في الاتحاد.يجب على مجموعة الحكماء من أجل الربط بين عملها وآراء المواطنين المقدمة خلال مؤتمر مستقبل أوروبا أن تقدّم وتناقش مقترحاتها مع «السفراء» الذين مثلوا أعضاء مجلس مستقبل أوروبا الذين تم اختيارهم بشكل عشوائي خلال الجلسة العامة للمؤتمر، ويجب على المجموعة أن تقدم تقريرها النهائي في النصف الثاني من سنة 2022 الى المجلس الأوروبي والبرلمان الأوروبي اللذين يجب عليهما عندئذ الالتزام بعملية متابعة مفصلة.يمكن تحقيق العديد من أهداف الإصلاح بموجب معاهدات الاتحاد الأوروبي الحالية، لكن قد تستنتج مجموعة الحكماء أن بعض الابتكارات ستتطلب أيضا تعديلات على المعاهدات لضمان أن الاتحاد الأوروبي سيكون قادراً هيكلياً على الاستجابة بسرعة للتحديات الحالية والمستقبلية، وفي هذه الحالة يجب على المجموعة تجميع قائمة بالتغييرات المحددة حيث يمكن أن يساعد تحديد مثل هذه التعديلات في ضمان أن الجهود المستقبلية لتكييف القانون الأساسي للاتحاد ستختلف عن تجربة المؤتمر الدستوري في 2002-2003، حيث ستلتزم هذه الجهود بتفويض أكثر وضوحا وإطار زمني محدد.فيما يتعلق بأوروبا فإن التحرك فقط من أجل تعديل شكلي للوضع السابق لن يكون ساذجا فحسب، بل سيكون خطيراً كذلك، ويجب أن نتجنب أن نجد أنفسنا في موقف يجعلنا نشعر بالأسف لأننا لم نتصرف في وقت مبكر وبشكل أكثر حسماً وخصوصاً عندما تكون قضايا الحرب والسلام على المحك.لقد أظهرت الأزمة في أوكرانيا أنه من خلال العمل الجماعي فقط يمكن أن يأمل الاتحاد الأوروبي البقاء لاعباً فعالاً، لكن هذا لا يعتبر بأي حال من الأحوال نتيجة مفروغا منها، ويتعين على الاتحاد الأوروبي بدوله السبع والعشرين الاستجابة للأوقات الحالية التي تشهد تحولات مهمة، وذلك من خلال تمهيد الطريق لمستقبل مشترك طموح، وهذا يعني إظهار الاستعداد السياسي والتصميم اللازمين لإجراء إصلاحات جوهرية على سياسات وحوكمة الاتحاد الأوروبي.* هيرما فان رومبوي، الرئيس الفخري للمجلس الأوروبي، ورئيس مركز السياسة الأوروبية والرئيس المشارك للمجموعة الاستشارية الرفيعة المستوى لمرصد المؤتمر، وبريجيد لافان هي أستاذة فخرية في مركز روبرت شومان التابع لمعهد الجامعة الأوروبية ورئيسة مشارك للمجموعة الاستشارية الرفيعة المستوى لمرصد المؤتمر.
مقالات
إضافة الطموح لوحدة أوروبا
20-06-2022