أجمع معظم مراقبي الانتخابات المحلية أو البلدية التي شهدتها كمبوديا في 5 يونيو الجاري على تحقيق «حزب الشعب الكمبودي»، بقيادة رئيس الوزراء هون سين، «انتصاراً ساحقاً» مقابل هزيمة كبرى لمعسكر المعارضة، لكن يمكن تفسير نتائج هذا الاستحقاق بطريقة مختلفة بالكامل.

قد يكون «حزب ضوء الشموع» المعارِض في حالة من الموت السريري، لكنه حصد 22% من أصوات الناخبين، وأصبح ثاني أكبر حزب في كمبوديا رغم النظام الانتخابي المعرّض لجميع أنواع التلاعب على حساب المعارضة.

Ad

أدت عودة «حزب ضوء الشموع» إلى إعادة رسم الخريطة السياسية في كمبوديا، فهو اخترق نظام الحزب الواحد الذي ترسّخ في البلد بعد حلّ «حزب الإنقاذ الوطني الكمبودي»، الذي كان الطرف المعارِض الوحيد في البرلمان، في عام 2017، وحصد «حزب ضوء الشموع» رسمياً 18% من المقاعد البلدية، هذه النتيجة تسرّع إنهاء نظام الحزب الواحد على المستوى الوطني، إذ من المنتظر أن يتم تمثيل المعارضة مجدداً في الجمعية الوطنية بعد الانتخابات التشريعية المقررة في يوليو 2023، ويعرض تقرير رسمي صادر عن «حزب الشعب الكمبودي» أحدث النتائج ويتوقع أن يحصد «حزب ضوء الشموع» 21 مقعداً من أصل 125 داخل الجمعية الوطنية في عام 2023، و9 مقاعد من أصل 58 داخل مجلس الشيوخ في عام 2024.

بعد النتيجة التي حققها «حزب ضوء الشموع» في عام 2022 والمشهد السياسي الجديد الذي أنتجه محلياً، أصبح هذا الحزب مخولاً ممارسة الضغوط لإصلاح اللجنة الانتخابية وزيادة شفافية الانتخابات في السنوات المقبلة.

كان قرار هون سين بحل «حزب الإنقاذ الوطني الكمبودي» بطريقة تعسفية شكلاً من خداع الذات، إذ يعجز أي دكتاتور عن إبطال رغبة شعبٍ كامل بالتغيير الديموقراطي «بشخطة قلم».

تجدر الإشارة إلى أن «حزب ضوء الشموع» حصد 52% فقط من الأصوات التي جمعها «حزب الإنقاذ الوطني الكمبودي» خلال الانتخابات البلدية في يونيو 2017، لكن نظراً إلى المصاعب والعوائق التي تواجهها المعارضة، يبقى نقل 52% من الأصوات إلى «حزب ضوء الشموع» بعد أشهر قليلة من التحضيرات إنجازاً بارزاً.

كان «حزب ضوء الشموع» غير مؤثر قبل أشهر قليلة من الانتخابات، لكنّ إعادة تنشيطه، بقرارٍ اتخذته المعارضة في اللحظة الأخيرة لفك الحصار الذي تتعرّض له على جميع الجبهات، أطلقت حملة قمعية مكثّفة وسريعة، ففي 2 يونيو، قبل ثلاثة أيام من موعد الانتخابات، أعلن مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان أنه «منزعج من نمط التهديدات والترهيب والتعطيل الذي يستهدف مرشّحي المعارضة»، مضيفاً أن «حزب ضوء الشموع بالذات يواجه بيئة سياسية كفيلة بِشَلّ حركته».

لكنّ أكبر مشكلة يواجهها «حزب ضوء الشموع» تتعلق بغياب وسائل التواصل، فكيف يمكن أن يفهم الناخبون المتقدمون في السن داخل «حزب الإنقاذ الوطني الكمبودي» التغيرات التكتيكية في معسكر المعارضة خلال هذه المدة القصيرة ويقتنعوا بنقل دعمهم إلى «حزب ضوء الشموع»، إذا كان الحزب الحاكم يسيطر على جميع القنوات التلفزيونية المحلية ويلجأ إلى التقنيين الصينيين لمنع وصول الناس إلى الإنترنت على الطريقة الصينية؟

بعد انتهاء زمن نظام الحزب الواحد، بدأت كمبوديا تعود إلى مسار «الديموقراطية الليبرالية والتعددية» الذي تنص عليه اتفاقيات باريس للسلام من عام 1991.

من خلال المشاركة في تنظيم انتخابات حرّة وعادلة في عام 2023، تستطيع مجموعة البلدان الديموقراطية حول العالم أن تسهم في ترسيخ الديموقراطية في كمبوديا، ووحدها الديموقراطية تضمن استقلال البلد وحياده، وهي عوامل تصبّ في مصلحة السلام والاستقرار الإقليمي في ظل تصاعد الاضطرابات في بحر الصين الجنوبي.

* سام راينسي

* سام راينسي - دبلومات