«ذاكرة مدينة من ورق» يوثّق لـ «العنف والمرأة» في بيروت ويستمر حتى 20 يوليو
يستعرض الفنان ألفرد طرزي تاريخ لبنان وما عاصره من أزمات واغتيالات وأحداث أخرى عبر معرضه «ذاكرة مدينة من ورق».
حوّل الفنان اللبناني ألفرد طرزي قاعة مركز «أمم للتوثيق والأبحاث» في ضواحي بيروت إلى مساحة تاريخية مبهرة فنياً، تضج بالذكريات والأحداث والشخصيات، ضمن تجهيز فني شاء من خلاله إبراز «ظاهرة العنف وتطور صورة المرأة في المجلات اللبنانية « خلال نصف قرن.ويضم هذا المعرض الذي يحمل عنوان «ذاكرة مدينة من ورق» ويستمر إلى 20 يوليو المقبل، آلآف الرسائل والمئات من أغلفة المجلات وعشرات الملصقات، تعود إلى المرحلة الممتدة من ثلاثينيات القرن العشرين إلى ثمانينياته. واستند الفنان المولود عام 1980 في إنجاز هذا التجهيز إلى أرشيفه الخاص ومجموعة صاحب «دار الفرات» عبودي أبوجودة ويحيى حكيم وأرشيف مركز «أمم» الذي أسسه في جزء من منزله في حارة حريك بضاحية بيروت الجنوبية الباحث والناشر والناشط اللبناني لقمان سليم الذي اغتيل في الرابع من فبراير 2021 في جنوب لبنان.
ثورات واغتيالات
وتشكّل الاغتيالات في لبنان خلال المرحلة المشمولة بالتجهيز جانباً بارزاً من ظاهرة العنف التي يتمحور عليها العمل. ويقول طرزي إن المعرض تتويج لدراسة أعدّها عن الصحف اللبنانية في تلك الحقبة ويركّز فيها على «العنف وعلى تطور صورة المرأة». وتوضح المسؤولة عن الأرشيف في مركز «أمم» غالية ضاهر أن المعرض يتناول «الوسائل التي كانت المجلات تجذب بها الناس يومها، كاستخدام صورة المرأة ولا أحبذ كلمة تسليعها، والأحداث المهمة التي طبعت تلك المرحلة». ومن تلك الأحداث مثلاً الحرب العالمية الثانية (1939-1945)، وموجة التحرر في الستينيات، والعنف الذي مثلته الثورات وخصوصاً الفلسطينية في السبعينيات وآثارها على لبنان، والاغتيالات التي شهدتها الصحافة في لبنان. وفي وسط القاعة، تستقبل الزائر مجسمات بالأبيض والأسود أو بالألوان، لشخصيات معروفة تجسّد العنف والثورة، أو لشخصيات نسائية من عالم الفن أو ثائرات، وصور جماعية وشعارات نسّقها طرزي بحسب المرحلة التي تعود اليها، واختارها من المجلات المعروضة، استناداً إلى رسوم للفنان التشكيلي الفلسطيني توفيق عبدالعال ورسامي الكاريكاتير اللبنانيين الراحلين ستافرو جبرا وبيار صادق ومحمود كحيل وسواهم.شخصيات عالمية
وتمثّل المجسمات شخصيات عالمية ومحلية شهيرة، بينها نجمة الشاشة الأميركية مارلين مونرو والمغني إلفيس بريسلي، ورمز الثورة الكوبية الأرجنتيني المولد إرنستو تشي غيفارا، إضافة إلى الرئيس اللبناني الراحل بشير الجميل الذي اغتيل في سبتمبر 1982 بعد 21 يوماً من انتخابه، والزعيم الدرزي الاشتراكي الراحل كمال جنبلاط الذي اغتيل في مارس 1977، والمناضلة الفلسطينية ليلى خالد. وبين المجسّمات أيضاً مشاهد من الحرب الأهلية اللبنانية (1975-1990). وتنتشر رفوف خشبية تستريح عليها مجلات متعددة العناوين والأغلفة، منها السياسية المستقلة أو تلك التابعة للأحزاب الناشطة في لبنان آنذاك. وبين هذه المطبوعات مجلة «السينما» المتخصصة في الفن السابع، وأخرى عنوانها «الجنس»، كانت «جريئة بغلافها وعميقة في مضمونها»، حسبما تقول ضاهر. وتلاحظ المسؤولة في «أمم» أن «درجة تقبّل الجرأة في استخدام صورة المرأة كانت في تلك المرحلة أكبر مما هي عليه اليوم». وفي طرفي القاعة، من الجهتين اليمنى واليسرى، ملصقات سينمائية وصفحات توثق أحداثاً مفصلية في تاريخ لبنان والعالم، ومقالات مهمة كمقابلة أجرتها مجلة «لا روفو دو ليبان» مع الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات عام 1979.«كنز وطني»
وكانت تتصدر أغلفة المجلات الفنية، كمجلة «الشبكة» في أواخر الخمسينيات، بورتريهات مرسومة لشخصيات كصباح ومريم فخر الدين وغيرهما، تبدو كلوحات فنية بألوانها وخطوطها، رسمها كبار الفنانين اللبنانيين. ويقول طرزي الذي درس التصميم الغرافيكي «من خلال هذه المجلات تعرفت الى رسامين كثر». ويصفها بـأنها «اشبه بدرس (...) إذ إن فيها نهلاً ثقافياً هائلاً يمكن استخلاصه، وهي بمثابة تاريخ فني». وإذ يلاحظ أن «بعض المجلات أشهرت إفلاسها في الاعوام العشرة الاخيرة»، يعتبر أنها «كنز وطني وإرث بصري ينبغي الحفاظ عليه خصوصاً في عصر التحوّل الى شبكات التواصل الاجتماعي والكمبيوتر بدلاً من المطبوعات الورقية». واكتشف الفنان بعد اطلاعه على المجلات وملاحق الصحف اللبنانية ان «ثمة فكرتين تطغيان على هذه الوسائل الاعلامية الورقية: تحرير الارض وتحرير الجسد»، مضيفاً «نوعاً ما، فشلنا في الاثنين».