سابقاً كنا نذهب إلى المدارس مشياً على الأقدام صبية وبنات أو في الباص (الحافلة)، ولكي نلحق به علينا الانتظار قبل موعده بربع ساعة على الأقل لأن مواعيده ليست مضبوطة، الموقف يجمع عدة «فرجان» داخل المنطقة، وعند كل موقف يقف الباص لدقيقة أو دقيقتين بعدها يمشي، وما عليه من أحد، والمشكلة أن من يركب أولاً «يضع يده على مجموعة كراسي» لربعه وعيال عمه وباقي الطلبة من الضعوف يظلون واقفين. إن كنا محظوظين ندخل سور المدرسة قبل طابور الصباح، أما إذا بدأ الطابور فأنت أمام خيارين: الأول حرمان من الحصة الأولى، وتبقى واقفا طول الوقت، والثاني أن تأخذ كم عصا وتدخل إلى الصف، وكلا الاختيارين بمزاج الناظر ولا أحد يستطيع أن يكلمه أو يعترض على قراره.
المدارس بدون مكيفات والموجود مراوح فقط، والمدرس الذي لا يحمل خيزرانة نادر الوجود، بمعنى مستحيل يخلص اليوم بدون أن تحصل على كم مسطرة، وفوق ذلك يعطيك الاختصاصي الاجتماعي ورقة استدعاء لولي أمرك، وفي اليوم الثاني ولي الأمر يحضر إليه أو إلى الوكيل، وقبل أن يعرف السبب يسمعك كم كلمة، هذا إذا ما غسل شراعك كعربون استرضاء للمدرس وإدارة المدرسة، طبعاً نادراً ما يستفسر عن سبب الاستدعاء، وكلمتهم الوحيدة الله يرحمهم «لنا العظم ولكم اللحم» يعني صك براءة للمدرس اللي يطق... الأكيد أن المدرسة أشبه بالسجن، لكن مع هذا كانت غير، فكيف كانت غير؟لا يوجد مدرس يرضى بإعطاء دروس خصوصية، نصابه تقريبا عشرون ساعة في الأسبوع، والشرح على السبورة وبالطباشير، ويجهد نفسه كي تفهم وتحفظ الدرس، بالمناسبة ليس على كيفك ما تحفظ سور القرآن، والقصائد، وجدول الضرب، والقسمة.في كل مدرسة هناك مطبخ مركزي، والعمال أغلبهم فلسطينيون، والقليل منهم من مصر مع أن المقصف في وقتنا موجود، لكنه غير أساسي لمعظم الطلبة.وفي أيامنا كان أغلب أولياء الأمور ما يفكون الخط، لكنهم يحرصون على رؤية الشهادة كل شهر، والمهم ما تجيب الشهادة وفيها دواحة (دائرة حمراء تعني راسب) عربون نجاة من العقاب، وفيهم من يكلف الأخت بقراءة الدرجات، وإذا كانت شايلة «مستاءة» منك وقتها تقول له ترى درجاته على الحفة، وتعال وقتها فجّج (برر).في تلك الأيام لا يوجد دروس خصوصية ولا أحد يحل معك الواجب، ومصروف الجيب اليومي يبدأ من خمسين فلساً في المرحلة الابتدائية، وفي المتوسطة وصل إلى مئة فلس، وفي الثانوية وصل إلى ربع دينار ونصف دينار، وكنت أعيش ملك زماني.الصف الرابع الثانوي يعادل الصف الثاني عشر حاليا، وكانت نسبتنا تحددها الاختبارات النهائية بدون معدل تراكمي وبدون أعمال فصل، يعني أن من ينجح ينجح بذراعه، ومن يحصل على نسبة 70% فما فوق أموره طيبة، فيكمل الجامعة بدون مشاكل، ومن نسبته فوق التسعين نعتبره عبقرياً، أما إذا تابعت وضع التعليم اليوم فستجد ارتفاعا في النسب ورغم ذلك فإن التعليم يتراجع. أحببت أن أرجع طلبتنا إلى الماضي ليروا زماننا على حقيقته، مع التأكيد على أن لكل قاعدة استثناء، وأن التفوق يعتمد على الطالب نفسه، ومع هذا لا نقلل من أهمية تكامل المربع التعليمي (معلم كفؤ، ومنهج مميز، وبيئة مدرسية جاذبة، وأسرة تتابع وتهيئ الظروف المناسبة).في الماضي لم يكن مطلوباً من الطلبة إنهاء الدراسة الجامعية، ولا حتى الثانوية العامة، ومع هذا الكويت كانت مزدهرة وعروس الخليج، لأن فيها مخلصين ومحبين كويتيين وغير كويتيين.ودمتم سالمين.
مقالات
تعليم أول
21-06-2022