تراجع جودة الأحكام القضائية له العديد من المسببات القانونية المتصلة بضعف إمكانيات ومهارات بعض أعضاء القضاء المتولين الفصل بالقضايا أو نتيجة ضعف رقابة التفتيش القضائي على أدائهم أو لمسببات عملية تكمن في ارتفاع أعداد القضايا المرفوعة أمام القضاء يقابلها قلة أعداد القضاة، الذين يتولون مهمة الفصل في تلك القضايا، ما يستدعي اقتصار مناحي الرد على الدفوع أو الدفاع القانوني أعلاه على عدم بسط رقابة محكمة الاستئناف على أوراق الدعوى والرد على كل أوجه الدفاع المعروضة، مما يستدعي أمر البحث مجدداً للدعاوى من محكمة التمييز.كما تكمن مسببات ضعف جودة الأحكام أو خلو بعضها من الابتكار والبحث الفني في تواضع وضعف الابتكار للدفاع المقدم من المحامين، فتواضع الدفاع والدفوع له ما يقابله من ردود تقليدية تخلو من الابتكار وهو أمر يعود إلى ضعف الأداء المعني لمكاتب المحاماة وتراجع أدائها الفني، سواء من الكادر الفني المعد للمذكرات من المستشارين والمحامين المتولين إعدادها أو المحامين المشرفين على تلك المذكرات، كما أن غياب الفكر القانوني الداعم لأفكار إدارة الدعوى والتي تعمل وفق خطط واستراتيجية للدفاع عبر فريق جماعي يعمل على بحث ملفات القضايا في سبيل الوصول إلى الدفاع الأمثل والأصوب والمناسب لخيارات الموكل والنتائج التي يرغب في تحقيقها.
ومن دون وجود فكر لإدارة الدعوى، لا يمكن الوصول إلى النتائج المتوقعة بين من يتولى الكتابة أو الإشراف عليها أو من يتولى زمام إدارة الملف سواء كان مستشاراً قانونياً أو محامياً.
جودة العمل الفني
وقبل الحديث عن جودة العمل الفني لمكاتب المحاماة، التي أصبحت مسألة مرتبطة بجودة الأحكام القضائية وتطويرها يتعين الحديث عن مستوى وأداء مكاتب المحاماة وفكرة نشأتها مع فكرة القبول بمهنة المحاماة، ودور المكاتب فيها بعد على تقدير أداء ومهارات المحامين ورفع كفاءتهم، التي غالباً ما تعتمد على فرص نشاط المحامي وقدرته على التفاعل مع ملفات القضايا وفق عمره القانوني في المهنة، فضلاً عن قدرته على أن يضيف شيئاً في منظومة تحمل مهنة المحاماة سواء في إنجاز العمل الإداري ابتداء، ومروراً بإنجاز جزء من العمل الفني الذي يعتمد على القرار والنقاش والمحاورة ويجب أخيراً الوصول إلى طرح الأفكار القانونية الداعمة للملفات القضائية.والوصول إلى الحد الأدنى للمهارات الواجب توافرها في منظمي مهنة المحاماة اليوم وسط غياب المدارس المؤهلة للانضمام لمهنة المحاماة ومن دون وجود بوابة رسمية تعكس المستوى الحقيقي لهم للوصول إلى بيان صلاحيتهم للانضمام إلى مهنة المحاماة أمر ساهم في صعوبة كشف أداء المحامين المنضمين حديثاً لمهنة المحاماة، فضلاً عن غياب رؤية التدريب لمكاتب المحاماة للعناصر الحديثة المنظمة لها وكيفية الاستفادة منها وإبراز إمكانياتها الفنية والقانونية على حد سواء بما ينعكس على صلاحية الانضمام إلى المهنة.وإزاء غياب التنظيم الحقيقي لمدارس التدريب وإعداد المحامين فنياً وإدارياً بعد انضمامهم إلى مهنة المحاماة سواء من جمعية المحامين أو من كلية الحقوق أسوة بتجارب بعض الدول التي تشترط لعملية القبول في مهنة المحاماة اجتياز العديد من الفصول الدراسية أو اختبارات القبول أو سنوات التدريب وإزاء غياب الدور الحقيقي لقضية التدريب، يصعب الحديث عن ربط سوق العمل بمهنة المحاماة بالكفاءات القانونية المهيأة للعمل بهذه المهنة وسط غياب سياسات واضحة في عملية القبول والانضمام إلى مهنة المحاماة، خصوصاً بعد السماح لغير القانونيين خريجي كليات الشريعة العمل في مهنة المحاماة، رغم عدم تأهيلهم في علوم القانون أو السماح للعسكريين أو المحققين أو المتقاعدين الانضمام إلى مهنة المحاماة مباشرة لمجرد أنهم حاصلون على شهادات الحقوق رغم عدم اتصالهم المباشر بعمل المحاماة سنوات طويلة!لذلك فإن تراجع الأداء الفني للمحاكم له من جانب آخر صلة بتراجع الأداء الفني لمكاتب المحاماة والأداء الفني الذي يتمتع به المحامون المشتغلون اليوم في مهنة المحاماة.وإصلاح مهنة المحاماة مرتبط بالتأكيد بتعديل قانون إنشاء المهنة، لكن القانون لا يمنع حالياً من إمكان ربط الانضمام إلى مهنة المحاماة بإجراء اختبارات للمنضمين لها وإجراء مقابلات شخصية من شأنها أن تعكس مدى صلاحية المتقدمين لها لا منح شيك مقدم لكل الراغبين بالانضمام إليها من دون التأكد من قدراتهم الفنية أو الوقوف على الحد الأدنى من توافر العلوم القانونية للمتقدمين إلى مهنة المحاماة.المحكمة الدستورية
كما أنه قد سبق للمحكمة الدستورية أن قررت في أحكام سابقة لها بأن المشرع أوكل إلى جمعية المحامين الكويتية مهمة تنظيم مهنة المحاماة وحدها عند طعن بعض المحامين على عدم اشتراط تجديد عضويتهم في جميعة المحامين ما يعني أن مسائل التنظيم للمهنة ومنها القبول من صلاحيات الجمعية ولجانها المسؤولة. والجدير بالذكر بأن جمعية المحامين مقبلة خلال الأشهر القادمة على استقبال دفعة جديدة من خريجي كليات الحقوق ولابأس أن تقوم بوضع تصور كامل للقبول ومنها إبرام اتفاقية مع كليات الحقوق لوضع اختبارات ومقابلات شخصية للقبول وفي حال عدم اجتياز المتقدمين لها يتعين لها رفض غير المقبولين ولهم في ذلك اللجوء الى القضاء والذي بالتأكيد لن يقبل النظر في غياب الحد الأدنى من المعايير الخاصة للقبول.قواعد السلوك للمحامين
في الوقت الذي ترتفع فيه المطالبات لتعديل قانون مهنة المحاماة، ومنها النظر في مسائل القبول، وإجراءات إنهاء عمل المحامين المخالفين لأحكام القانون، فإن الواقع لا يمنع من نظر مجلس إدارة جمعية المحامين في تقرير وإصدار قواعد لسلوكهم تتضمن القواعد التي يتعين الالتزام بها لدى أداء المهنة، وهي بخلاف ميثاق المهنة الذي أصدرته الجمعية قبل سنوات. وتأتي أهمية إصدار قواعد السلوك لتضمنها القواعد المهنية والفنية التي يتعين التعامل معها من قبل المحامين تجاه منظومة العمل في مكاتب المحاماة وإدارتها، وتجاه المحامين العاملين في المكاتب، وتجاه الموكلين والحقوق المتصلة بهم، وأخيرا إلى الدور الذي يتعين أن يقوم به المحامون أمام جهات التحقيق والمحاكم والالتزامات الملقاة على عاتقهم.ولجمعية المحامين أن تنشئ فريقا أو لجنة مشكلة من كبار المحامين، من أجل صياغة قواعد السلوك، واعتمادها من مجلس الإدارة، وعرضها اذا استلزم ذلك على جمعية المحامين، بهدف تنظيم قواعد العمل المهنية والفنية.