حنجرة المواطن وصرخات الأحداث
فهم تفاعل أهل السياسة بكل مشاربهم مع اعتصام المجلس وغيره من الأحداث يندرج تحت بند توضيح الواضحات من المعضلات، فميدان السياسة يقوم أساسا على المصالح، ويتعامل مع الأحداث وفق نظرية الجود من الموجود، وفي قول مرجوح آخر «اللي تغلب به العب به»، وحدث كهذا طبعاً لن يمر مرور الكرام على الحس والحدس السياسي، وقد يرى سياسي ما الحدث دعما وجسراً لقضية تبناها وجعلها شعاراً له أو مكسباً لتحالفاته، أو يراها سياسي آخر فرصة لبناء مراكز على حساب منافس له، ولتصفية الحساب معه، وقد تكون طود نجاة لسياسي يريد تلميع صورته أو زيادة فرص نجاحه في أي انتخابات مقبلة، كل هذا مفهوم، ولكن يبقى الفهم السهل الممتنع في جانب تفاعل المواطن الذي لا يحمل طموحا سياسيا ولا شأن له بالتجاذبات البرلمانية داخل المجلس، ولا بالصراعات السياسية خارجه، فما الذي يجعله يتفاعل مع أحداث كهذه ويدعمها؟!أتوقع أن الجواب الممتنع هنا هو: ما نوع الاستفادة المباشرة التي يجنيها المواطن البسيط من نقاط يسجلها طرف سياسي ضد طرف آخر؟ وما المصلحة التي ستجلبها له معركة عض الأصابع بين أطراف برلمانية أو سياسية؟ والجواب الأسهل الذي أميل إليه ويجب أن تعرفه كل الأطراف أن المواطن يدعم ويتفاعل مع الأحداث ليس حباً بعلي كحدث أو شعار بقدر كرهه لمعاوية كوضع مترد يعيشه ويكابد أضراره كل يوم، وضع قد يلخصه رثاء تجاعيد شوارع ملأت وجه دولة فتية ونفطية، وقد تلخصه زحمة شوارع تخنق الأوقات كل يوم، وقد يكون غضبا انفجر ضغطا بعد ضعف شرايين التعليم والصحة مع توافر الإمكانات، وقد يكون مللا من دورات بيروقراطية تستنزف كل معاملة له حتى رمق التوقيع الأخير، وقد يكون حزنا لخسارة مذلة لمنتخبه الذي كان ذهبيا في يوم من الأيام، وقد يكون خوفا أمام توحش الغلاء والإيجارات والقروض التي تلتهم اللحم الحي للراتب كل شهر، وقد يكون قلقا على مستقبل أجيال أضاعها حاضرنا، ولا شيء نقدمه له ولهم سوى بعض الذكريات المتناثرة من الماضي.
كل ما سبق وغيره من الأشياء الصغيرة عند أهل السياسة والكبيرة عند المواطن تجعل حنجرته غير المرتبطة بالسياسة ونظرياتها والبعيدة عن الصراعات ودواماتها تتبنى صرخة كل حدث مهما كان ما دامت توجه إلى حكومة صماء ومجلس أبكم لعل صوته يصل ويُسمع... لعل وعسى.