زخم سياسي
ما نعيشه هذه الأيام من زخم في الأخبار السياسية وعودة جديدة إلى ما قد نسميه مجازاً روح (دواوين الاثنين) ليس إلا نتاجاً لتراكمات نهج بالٍ عفا عليه الزمان في التعاطي مع القضايا الملحة على الساحة، فهذا النهج يتعامل مع الأمور بحلول رتقية ترقيعية لا جذرية أو بسلاح الوقت في حل المشاكل المزمنة، فقد اعتصم النواب في بيت الأمة، وكان من الطبيعي والبدهي جداً أن نرى لفيفاً من الناس يؤازرهم لكنه لا يؤيدهم لشخوصهم، لا والله، بل نصرة للموقف ذاته، فكثير من أولئك النواب له ما له وعليه ما عليه، لكن الأهم من هذا هو السبب وراء تلك المساندة والدعم الشعبي والتشخيص وإيجاد الحلول الجذرية الحقيقية التي تفك هذا الاحتقان السياسي الذي نشاهده، ومن ثم يخف الإزعاج والزخم، وعليه نستطيع حقاً بناء «كويت جديدة». بدأت المناداة بإعادة تدشين دواوين الاثنين واستعادة روح أواخر الثمانينيات قبيل اعتصام النواب بالنزر اليسير، وأنا شخصيا لم أرَ جدواها قبيل ذاك الاعتصام لسبب بسيط، وهو أن تحليلي قادني إلى واقع اعتصام دواوين الاثنين الأصلي الذي كان مختلفاً في أدواته وموقف أعدائه من الدستور، لكن ومن بعد دخول النواب ذاك الاعتصام الذي تزامن مع اعتصامات متفرقة في ساحة الإرادة وعدد من الدواوين، أصبح واضحا مدى أهمية مثل ذلك الضغط الشعبي الذي يوحد الصف وينبذ الخلافات لنصرة الدستور الحالي للدولة وأحكامه. ولعل من المفيد أيضاً أن يستذكر المرء هذه الأيام مسألة مهمة جداً، وهي مسألة الدستور ذاته في الكويت، فدستور 1962 هو دستور الحد الأدنى، فلا يواكب الأحداث والزمن ويحتاج الى تصفية وتنقية وتفنيد وإعادة صياغة، وقد فُرغ من محتواه وعُطلت أحكامه ومواده مرات كثيرة (سياسيا) ومع ذلك فإننا متمسكون به هنا في الكويت كحد أدنى في حفظ الحريات وطبيعة الدولة المدنية التي نعيش.
دستور سنة 1962 يمثل أحد أهم المكتسبات الشعبية وحتماً لن يتم التفريط به بهذه السهولة، فلا قداسة حتما للأوراق والحبر إنما لما تعنيه وتشكله على أرض الواقع، أما المسألة الأخرى التي يجب أن ننتبه إليها وهي وحدة الصف، فالكل الآن ينظر بعين الحسرة والحرقة لتعطيل الحياة السياسية في الدولة، ولكن الأهم هو الاتحاد الآن دون النظر إلى شخوص الناس. في الواقع كل النواب والشخصيات التي تحضر الاعتصامات والدواوين هم من أطياف مختلفة ومشارب متنوعة فلن يجني أحد ثمار الفرقة البتة، وعلينا أن ننظر إلى أن تجمعات كهذه هي في الواقع أسمى وأهم من أي خلاف، وهذا الكلام أذكر نفسي به قبل أي شخص آخر، وليكن كل حراك سابق عبارة عن (دراسة حالة) وشيء من الدروس والعبر لنا كشخصيات تهمها هذا الوطن، بأن هناك المندس من الكيانات والأحزاب والأفراد ممن أتوا وتواصلوا مع الناس بغية التسلق أو الظهور فقط لا غير، وأكبر دليل هو وجود شخصيات كانت لها مواقف واضحة ضد الدستور، والآن يتسابقون على اللقاءات الإذاعية أو التلفزيونية، فالحذر كل الحذر أيضا من كيانات لم تتعب نفسها في الحضور في أي حراك أو تجمع نصرة للشعب والآن تتمنى أن تتصدر المشهد بأي طريقة. عموماً لا يسعنا إلا أن نبتهل لله عز وجل أن يهيئ لنا من أمرنا رشداً.على الهامش: المجلس البلدي في الكويت هو باكورة نضال حقيقي للشعب منذ سنة الثلاثين من القرن الماضي، لكنه في واقع الحال أصبح محدود الصلاحيات ومختطفاً!! كما أن نظام التعيينات وإن كانت ذات كفاءة أصبحت لا تتواءم مع واقع الحال الديموقراطي بتاتا، وعليه فإن إعادة النظر في الدوائر الانتخابية وتقسيمها أصبح لازما للمحافظة على أحد أهم المكتسبات في الدولة والممثلة بالمجلس البلدي، كما وجب القول إن رفع وعي الشارع وتعبئة الرأي العام أمران لا بد منهما في قادم الأيام لأي انتخابات للمجلس البلدي، فلا يعقل أن يصوت أحد في هذا الزمن وهذه الحالة السياسية للبلاد إلا وقد اقتنع ببرنامج وليس كمجاملة على حساب الوطن والمواطن.