كالينينغراد حصن نووي قد يصبح ساحة «الحرب الثالثة»
● الغرب يتضامن مع ليتوانيا
● هجوم بمسيرتين على أكبر محطة تكرير نفط جنوب روسيا
أصبح جيب كالينينغراد المطلّ على بحر البلطيق والواقع على بُعد آلاف الكيلومترات من موسكو في قلب نزاع روسي-أوروبي، نتيجة العقوبات التي فرضها الاتّحاد الأوروبي على روسيا منذ بداية غزوها أوكرانيا.
يعد الجيب الروسي كالينينغراد، الواقع على بعد مئات الكيلومترات من غرب البلاد، أحدث نقطة نزاع بين موسكو وأوروبا، إذ ترددت أصداء حرب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خارج أوكرانيا.ويقع كالينينغراد بين ليتوانيا وبولندا، وكلاهما عضو في الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي (ناتو)، على الساحل الجنوبي لبحر البلطيق. ويتلقى الجيب الكثير من الإمدادات عبر طرق تمر بليتوانيا وبيلاروسيا.وقالت ليتوانيا، في منتصف يونيو، إنها ستمنع عبور قطارات الشحن التي تنقل من روسيا إلى كالينينغراد بضائع تخضع للعقوبات الأوروبية، ومن بينها معادن والأسمنت والكحول والأسمدة، علما بأن هذه القائمة سيتم توسيعها لاحقاً لتشمل الفحم والنفط.
ووصف الكرملين، بحسب صحيفة «واشنطن بوست»، الخطوة بأنها «غير مسبوقة وغير قانونية» واستدعى كبير دبلوماسيي الاتحاد الأوروبي في موسكو. وقال سكرتير مجلس الأمن الروسي، نيكولاي باتروشيف، إن الرد سيكون له تأثير «خطير» على الشعب الليتواني. وكانت كالينينغراد، المعروفة سابقاً باسم «كونيغسبرغ»، جزءاً من ألمانيا حتى استولى الجيش الأحمر عليها من النازيين عام 1945. ثم احتلها الاتحاد السوفياتي بعد انتهاء الحرب في أوروبا. وأصبحت المدينة والميناء البحري الآن موضعاً تابعاً للاتحاد الروسي، مفصولاً براً عن بقية روسيا. وأعادت روسيا تسمية مدينة كالينينغراد عام 1946، وطردت السكان الألمان، وأعادت توطين المدينة بأشخاص من روسيا وبيلاروسيا. ونظراً لجغرافيته، تمتع كالينينغراد بعلاقات اقتصادية وثيقة نسبياً مع الدول الأوروبية في السنوات التي أعقبت انهيار الاتحاد السوفياتي. لكن العلاقات تلاشت خلال فترة بوتين، لا سيما بعد هجوم روسيا عام 2014 على أوكرانيا وضم شبه جزيرة القرم، الأمر الذي أدى إلى عقوبات وإدانة الاتحاد الأوروبي.
أهمية استراتيجية
ويعتبر كالينينغراد موضع عسكري روسي في أورويا ذات أهمية استراتيجية. ولطالما أشير إليه على أنه «حاملة الطائرات غير القابلة للغرق» التابعة للكرملين على بحر البلطيق، حيث يمكن وضع الأسلحة على مسافة قريبة من أوروبا الغربية.وفي كالينينغراد أيضاً، المقر الرئيسي للأسطول الروسي في البلطيق، حيث تتمتع المنطقة بتقاليد عسكرية مهمة، إذ كانت بمنزلة معقل خلال الحربين العالميتين وحصناً دفاعياً خلال الحرب الباردة.وفي مواجهة توسع «الناتو»، عززت موسكو وجودها العسكري في كالينينغراد ونظمت فيها مناورات مهمة. وبعد الحرب الباردة، تم تصور كالينينغراد على أنها «هونغ كونغ البلطيق». ومنذ 1996، يعد الجيب منطقة اقتصادية خاصة ذات ضرائب منخفضة ومن دون رسوم استيراد تقريباً لتحفيز الاستثمار، رغم تعثر الاقتصاد بعد فرض العقوبات الغربية لأول مرة.تأثير الحرب
ويستفيد الجيب خصوصاً من ميناءيه الخاليين من الجليد، كالينينغراد وبالتييسك، ومن شبكات الطرق والسكك الحديدية الخاصة به للتجارة مع جيرانه. وبينما تعد دول البلطيق الثلاث (ليتوانيا وإستونيا ولاتفيا) داعمة قوية لأوكرانيا في مواجهة الأهداف الروسية، قالت شركة السكك الحديدية الليتوانية «إل تي جي»، الجمعة الماضي، إنها لن تسمح بعد الآن بمرور البضائع الروسية التي يعاقب عليها الاتحاد الأوروبي عبر الأراضي الليتوانية.موقف الحلف
وكانت دول البلطيق الثلاث تحكمها موسكو ذات يوم، لكنها اندفعت إلى «الناتو» بعد نهاية الحرب الباردة. وهي قلقة من أن الحرب يمكن أن تتسع وأن قوة روسيا قد تحاول الاستيلاء على امتداد استراتيجي رئيسي من الأرض على طول الحدود البولندية الليتوانية. ويربط ممر يبلع طوله 64 كم كالينينغراد ببيلاروسيا حليفة روسيا، ويمكن لسيطرة الكرملين أن تحرم دول البلطيق من ممر بري لبقية دول «الناتو».وقد اشتعل التوتر على طول هذا الممر، المعروف باسم «سوالكي»، عام 2016، عندما قرر وزراء دفاع «الناتو» إرسال 4 آلاف جندي إلى بولندا ودول البلطيق، مع وجود العديد على جانبيه. وأمس أيضاً، صرح المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف بأن روسيا تعد إجراءات للرد على قيام ليتوانيا بتطبيق حظر على عبور سلع، خاضعة لعقوبات من الاتحاد الأوروبي، إلى كالينينغراد، كما وعدت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، باتخاذ إجراءات رد «عملية» على خطوة ليتوانيا.وأكدت الولايات المتحدة، أمس الأول «دعمها» لليتوانيا، العضو في حلف شمال الأطلسي (ناتو)، في مواجهة التهديدات الروسية وتمسكها «الصلب» بالمادة الخامسة للناتو، التي تنص على أن «أي هجوم على دولة حليفة هو هجوم على جميع الأعضاء».كما أعلن المتحدث باسم الحكومة الألمانية أمس، أن ألمانيا ترفض «بشدة» تهديدات روسيا بالانتقام من ليتوانيا. وناقش نواب ليتوانيا أمس، القيود الجديدة على شحنات السلع إلى كالينينغراد، وذلك عقب انتقاد حاد من موسكو أن الإجراء فتح صدعا جديدا مع الغرب.وشدد إريك مامر المتحدث باسم رئيسة المفوضية الأوروبية على ان جيب كاينينغراد ليس محاصراً، موضحاًَ أن «إمداد كالينينغراد بالبضائع الضرورية ما زال يتم بلا عوائق».وأضاف أنه بسبب العقوبات الأوروبية المحددة على سلع معينة يتعين على ليتوانيا أن «تجري فحوصاً إضافية على النقل عبر الطرق والسكك الحديدية عبر منطقة الاتحاد الأوروبي»، مضيفاً أن هذه الإجراءات «مركزة ومتناسبة وفعالة. وستجري على أساس إدارة المخاطر الذكية لتجنب التهرب من العقوبات مع السماح بحرية النقل».وفي «يوم الذكرى والحزن»، وضع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إكليلاً من الزهور على ضريح الجندي المجهول بالقرب من جدار الكرملين في وسط موسكو، أمس. يشار إلى أن «يوم الذاكرة والحزن»، هو ذكرى الغزو النازي عام 1941 للاتحاد السوفياتي. وبشكل تقليدي، يشارك في الفعاليات المحاربون القدامى. إلى ذلك، وبينما بدأ وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف زيارة لطهران التقى خلالها نظيره الإيراني حسين أمير عبداللهيان، غادرت سفينة تجارية تركية أمس، ميناء ماريوبول الأوكراني بعد محاثات بين الوفديْن التركي والروسي في موسكو بشأن الحبوب العالقة في الموانئ الأوكرانية بسبب الحصار الروسي.هجوم نفطي
ميدانياً، وفي تكتيك جديد من أساليب الحرب التي يبدو ان كييف تعتمدها بعد هجوم على منصة بحرية نفطية روسية قبالة جزيرة القرم، أكد المكتب الصحافي لمصفاة نوفوشاختينسكي لتكرير النفط، الواقعة في مقاطعة روستوف الروسية قرب منطقة لوغانسك الانفصالية في شرق أوكرانيا، والتي تعد أكبر منتج للمنتجات البترولية في جنوب روسيا، تعرّضها لهجوم بطائرتين مسيرتين ما ادى وقوع انفجار أدى بدوره إلى اندلاع حريق في أحد مباني المصفاة على مساحة 50 مترا مربعا.وفي استفزاز دبلوماسي جديد، غيّرت بلدية موسكو أمس، العنوان الرسمي لسفارة الولايات المتحدة في العاصمة الروسية تكريما للانفصاليين الموالين لروسيا في أوكرانيا، وهي طريقة للتنديد بالدعم الأميركي لكييف.وقالت البلدية في بيان إن «سفارة الولايات المتحدة في روسيا لديها عنوان جديد رسمي، إذ باتت البعثة الدبلوماسية الآن في ساحة جمهورية دونيتسك الشعبية» اسم احدى المنطقتين الانفصاليتين في دونباس بأوكرانيا اللتين اعترفت موسكو باستقلالهما في فبراير قبل بدء الهجوم على أوكرانيا.