قراءة في خطاب مختلف
جاء خطاب سمو ولي العهد، الشيخ مشعل الأحمد، مختلفاً بكل معنى الكلمة عن الخطابات السامية عبر التاريخ، فقد تضمن مكونات جديدة من حيث الشكل والمضمون، علماً بأن الخطابات بذاتها لا تغير الأوضاع، إن لم تتبعها سياسات تنفيذية فاعلة على الأرض، ولكنها، أي الخطابات، تكون محفزة، ودافعة لتغيير ما، وهذا الخطاب هو من هذا النوع. قليلة هي الخطابات النوعية المباشرة في مسيرتنا السياسية، ومنها خطاب ولي العهد ورئيس الوزراء الشيخ جابر الأحمد قبل 52 سنة، بمحض الصدفة في 24 يونيو 1970، والذي كان بمثابة دعوة مصالحة بعد المقاطعة الواسعة التي قامت بها الكتل السياسية. بعد تزوير الانتخابات في سنة 1967، استقبلت القوى السياسية كالتجار الإصلاحيين والقوى الوطنية الخطاب بحماس كبير، إلا أنهم طالبوا بضمانات لعدم التدخل في الانتخابات، وانقسموا حول ذلك بين من شارك ومن رفض المشاركة. كانت النتيجة مجلس 1971، وكان من أكثر المجالس انسجاماً وإنجازاً، إلا أن التجربة لم تطُل، فحلت الحكومة مجلس 1975، وعلقت الدستور وحاولت تنقيحه. الخطاب الحالي يتقدم خطوة عن خطاب 1970، ففيه اعتراف بالتدخل سابقاً بالانتخابات. وهو أول خطاب يعلن عن رغبة في حل مجلس الأمة قبل حله، وأن الحل سيكون دستورياً، أي أن انتخابات ستجرى في غضون 60 يوماً. كما أن الخطاب أعلن عن سياسات، لا تتضمنها عادة تلك الخطابات، مثل عدم مشاركة الحكومة في التصويت على رئاسة مجلس الأمة أو اللجان، فهو موضوع جديد برمته. فلم يحدث ذلك إلا بشكل جزئي مرة واحدة سابقاً. الخطاب جديد، ومبتكر، ويتعامل مع القضايا بأقل درجة من البلاغيات، وبدرجة عالية من صياغة السياسات العامة. الخطاب بحد ذاته نقلة نوعية في العملية السياسية، وليس لنا إلا أن نتمنى أن ينعكس ذلك على الممارسة الحكومية والنيابية، وإلا فسنعود للمربع رقم واحد أو ما دون ذلك. الخطابات لا تصنع الأحداث، ولكن يقاس أثرها بدرجة تفاعلها بواقعية مع الأزمات، وهذا الخطاب كان من هذا النوع. كما أن الخطابات لا تصنع المستقبل، ولا تضمنه، ولكن هذا الخطاب يعبر عن توجه محمود يستهدف خروج المجتمع من المأزق، والذي لن يتحقق على أرض الواقع إلا بتضافر الجهود لانتشال حالة سياسية منكسرة ومترهلة، والخروج من حالة انسداد سياسي مزمن، ولن يحدث تطور سياسي ذو قيمة إلا بالتوافق، فموازين القوى محسومة، وكلنا أمل أن يكون هذا الخطاب مؤشراً على بداية ذلك، وإلا فإن انكساراً أشد وطأة سيكون قادماً.