بقايا خيال: الغش بـ«الإجبار» في التعليم!!
في لقاء جمعني بأحد الموجهين العامين لمادة الرياضيات قال لي إنه توجه ذات مرة ضمن وفد من وزارة التربية إلى جمهورية مصر العربية للتعاقد مع مدرسي مادة الرياضيات للتدريس في مدارس الكويت، فلاحظ أعضاء الوفد أن غالبية الذين تمت مقابلتهم كانوا يرددون أسئلة تتعلق بالراتب الشهري، ومستوى المعيشة في الكويت والمميزات التي سيتمتعون بها أثناء العمل وخارج أوقات الدوام، في حال تمت عملية القبول، وأهم هذه الأسئلة كان يدور حول متوسط المبالغ الشهرية التي يستطيعون تحويلها إلى أهلهم في مصر. ويضيف صاحبنا الموجه العام أن أكثر ما لفت انتباه أعضاء الوفد أو فريق المقابلة أن مدرسي الرياضيات الذين أمضوا سنوات طويلة في تدريس هذه المادة كانوا يقولون إنهم، ومن خلال الدروس الخصوصية، يستطيعون أن يحققوا في مصر أضعاف الراتب الشهري الذي سيتقاضونه في الكويت، أما الآخرون من مدرسي الرياضيات حديثي التخرج من الجامعة، أو الذين تميزوا بتدني سنوات الخبرة في تدريس هذه المادة، فتبين للفريق أنهم لا يملكون خبرة في مجال الدروس الخصوصية، ويبدو أنهم لا يملكون قاعدة من الطلبة الذين يحتاجون إلى دروس خصوصية في مادة الرياضيات، ولهذا فإنهم قبلوا التعاقد للعمل في مدارس الكويت دون تردد. وهذا بالطبع ينطبق أيضاً على الأطباء، بمختلف تخصصاتهم، وينسحب على المستشارين القانونيين والمحاسبين وغيرهم من المهنيين الذين أسسوا قاعدة عريضة من العملاء في موطنهم، حتى صاروا مصدر دخل مجز لهم، يغنيهم عن الهجرة عن أوطانهم ورؤية المعاناة في الغربة، خصوصاً أن مهنة الطبيب والمستشار القانوني تعد من بين المهن الأكثر دخلاً، ولهذا إذا ما صادفت طبيباً أو مدرساً شاباً يعمل بعيداً عن وطنه فغالباً ما يكون قليل الخبرة، وإلا فلماذا ترك بلاده؟ ألا نقول في أمثالنا «لو فيه خير ما عافه الطير»؟، خصوصاً أن الدول التي تحافظ على مواردها البشرية لا تترك أبناءها من ذوي الخبرة بهذه السهولة، إلا إذا كان المردود المالي أو الخبراتي مجزياً.
وطالما كنا نتحدث عن التعليم في مصر، يتذكر الكثيرون منا مقطع الفيديو الذي انتشر في مواقع التواصل الاجتماعي، وهو من تصوير أحد أهالي محافظة الدقهلية لمدرسة اسمها «وداد» صارت ضحية لإخلاصها في العمل، تظهر في الفيديو أثناء خروجها من المدرسة بحماية الشرطة، لأنها منعت الطلبة من الغش أثناء الامتحان، وهذا نموذج واحد من نماذج عدة مخجلة تعكس ما وصل إليه التعليم في الشقيقة مصر، التي كنا ننظر دوماً إليها وإلى شعبها وإلى متعلميها من الأدباء والفنانين والعلماء نظرة إعلاء وتقدير، فينتابنا اليوم حزن عميق لما وصلت إليه حال التعليم هناك، وأتذكر المقولة الشهيرة التي كانت منتشرة بين المثقفين في الوطن العربي خلال خمسينيات وستينيات القرن الماضي «إن مصر تؤلف، ولبنان تطبع، والعراق يقرأ)، فأين نحن من ذلك الزمن الجميل والحقبة الزاهرة التي سادت ثم بادت؟