أولاً وأخيراً: فساد التعيينات والترقيات
تعيش الكويت في السنوات الأخيرة حالة من التخبط والفوضى والعشوائية الإدارية بسبب غياب التخطيط والرؤية المستقبلية والصراع المستمر والمحتدم بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، وبالتالي قصر أعمار الحكومات، حيث كان لاستقالة الحكومة 4 مرات في عامين دور إضافي في تعطيل التعيينات وتباطؤ ملء المناصب القيادية وظهرت تجاوزات ومحسوبيات وصفقات في التعيينات والترقيات التي تمت في العديد من مؤسسات الدولة الحيوية نذكر منها الخطوط الكويتية وإدارة الخبراء ومؤسسة البترول والشركات التابعة لها ووزارة الصحة، ولعل واقعة الكشف عن تعيين طبيب وافد في أحد المستشفيات براتب شهري يتجاوز 6000 دينار كويتي خير دليل على الفساد المستشري في ملف التعيينات. ولعل أخطر التأثيرات السلبية التي تسببها تعطيل التعيينات والترقيات أو التعيينات والترقيات البراشوتية أنها تبث روح الإحباط والشعور بالظلم لدى أصحاب الكفاءات والمجتهدين الذين يجدون أنفسهم ضحايا للتخبط والعبث الإداري الحكومي والفساد الذي يضرب بكل القوانين واللوائح والنظم عرض الحائط، ويطرح هؤلاء مجموعة من التساؤلات الشرعية كيف يتم تعيين من هم أقل قدرة وتأهيلاً في الوزارات والمؤسسات الحكومية، ويترك ذوو الشهادات العليا والخبرات، وكيف يتم تعيين وافدين برواتب تفوق أبناء الوطن الذين يجتهدون في العلم لخدمة وطنهم والحصول على وظيفة ترفع من شأنه وشأنهم، وكيف يتم ترقية موظفين سبق أن اتخذت ضدهم إجراءات تأديبية بعد حصولهم على إنذارات بسبب الغياب عن العمل من دون عذر ومخالفتهم للوائح، وفي ظل عدم وجود استقرار سياسي في البلاد والاستقالات المتكررة للحكومة يجد الوزراء المستقيلون أنفسهم أمام خيارين لا ثالث لهما: الأول، إصدار قرارات إدارية تتعلق بالتعيين أو النقل أو الندب أو الترقية في إطار حكومة تصريف العاجل من الأمور، وغالباً ما تكون قرارات غير مدروسة وفيها مجاملات.
والثاني وقف التعيينات والترقيات وهذا الخيار هو السائد وأدى إلى إدخال البلاد في أزمة شواغر في العديد من المناصب وخصوصاً القيادية في المؤسسات الرقابية المعنية بالاقتصاد، وأخرى مسؤولة بتنظيم الوضع النقدي في البلاد، إضافة إلى جهات تختص بترتيب شؤون العمل وحقوق الإنسان، حيث اتسعت دائرة المناصب الشاغرة في الجهات الحكومية خلال السنوات الثلاث الماضية إلى نحو 120 منصباً قيادياً. وفي الحقيقة أن التوسع في شواغر المناصب القيادية الحكومية يعكس وضعاً عاماً تعيشه معظم مؤسسات وأجهزة الدولة وهو أمر غير صحي، فمثلاً وزارة المالية تدار من وكيل وزارة و5 وكلاء مساعدين بالتكليف منذ نحو 32 شهراً، كما أن وكلاء وزارات ومديرين في جهات عدة يعملون بالتكليف منذ فترة طويلة دون أن يحصلوا على ضمانة بتثبيتهم أو رحيلهم عن مقاعدهم المأمولة، الأمر الذي يزيد حالة الترهل وضعف الرقابة والمحاسبة والانخفاض الكبير في الإنتاجية، فالمكلف بالمنصب يخشى اتخاذ القرارات الرئيسة أو يصدر قرارات ارتجالية أيضاً، كذلك فإن التأخير في تسكين شواغر المناصب الحكومية يؤثر بشكل مباشر في وضع الكويت في المؤشرات الدولية خصوصاً في ما يتعلق بسيطرة الحكومة على مكافحة الفساد ومدى وجود معايير واضحة وشفافة في التعيين.