في واحدة من أكثر القضايا إثارة للانقسام في المشهد السياسي الأميركي، اغتنمت الولايات الجمهورية حكم المحكمة العليا المزلزل وحظرت على الفور عمليات إنهاء الحمل على أراضيها، في حين عبأت الولايات الديموقرطية مواردها لتسهيل الإجهاض على النساء.

وفي حين أغلقت العيادات في ميزوري أو ساوث داكوتا أو جورجيا أبوابها واحدة تلو الأخرى، تعهدت ولايات ديموقراطية مثل كاليفورنيا أو نيويورك، بالدفاع عن الحصول على عمليات الإجهاض على أراضيها.

Ad

وخلال ساعات، أعلنت سبع ولايات منها لويزيانا وألاباما وكنتاكي، أن كل عمليات الإجهاض غير قانونية. بينما اتخذت الولايات الديموقراطية، تدابير لتسهيل الوصول إلى الإجهاض على أراضيها وبدأت العيادات تعبئة مواردها من موظفين ومعدات تحسباً لتدفق النساء.

ومن خلال نزع صفة الحق الدستوري عن الإجهاض، أعاد الحكم للولايات إمكانية حظره، فيما يغير بشكل جذري ملامح المشهد الأميركي في قضية الحقوق الإنجابية. وهناك 26 ولاية يحتمل أو في حكم المؤكد أنها ستحظر الإجهاض. وولاية مسيسيبي من بين 13 ولاية لديها ما يسمى بالقوانين الجاهزة لحظر الإجهاض.

وانطلقت هذه «الثورة» بقرار المحكمة العليا إلغاء قرارها التاريخي المعروف باسم «رو ضد وايد» الذي كفل منذ 1973 حق المرأة الأميركية في الإجهاض. وقد اعتبر 6 من أصل 9 من قضاتها أمس ، أن «لا أساس له على الإطلاق».

وكتب القاضي صموئيل أليتو «لا يشير الدستور إلى الإجهاض ولا يحمي أيّ من مواده ضمنياً هذا الحق». وأضاف «حان الوقت لإعادة مسألة الإجهاض إلى ممثلي الشعب المنتخبين» في البرلمانات المحلية.

واعترض القضاة التقدميون الثلاثة على الأغلبية، التي قالوا إنها «تعرض حقوق الخصوصية الأخرى للخطر مثل منع الحمل وزواج المثليين». ودانوا، في بيان طغت عليه لهجة حادة، الأغلبية التي تبدو «قد تحررت من التزامها تطبيق القانون بنزاهة وحياد».

خطأ مأساوي

ووصف الرئيس جو بايدن الحكم بأنه «خطأ مأساوي نابع من أيديولوجيا متطرفة»، معتبراً أنه «يعرض صحة النساء وحياتهن للخطر».

ودعا بايدن الأميركيين إلى الدفاع عن الحق في الإجهاض خلال انتخابات منتصف الولاية في نوفمبر، مؤكداً أنه «يوم حزين للمحكمة ويعود بالبلاد 150 عاماً للوراء».

وأضاف بايدن أن «صحة وحياة النساء في هذه الأمة في خطر الآن»، محذراً من أن حقوقاً أخرى قد تتعرض للتهديد مستقبلاً، مثل الزواج المثلي ووسائل منع الحمل.

وحضّ الرئيس الديموقراطي الكونغرس على سنّ قانون فدرالي يحمي حق الإجهاض، وقال إن المسألة ستكون في صلب الانتخابات النصفية في نوفمبر.

ودعا الرئيس السابق باراك أوباما في تغريدة الأميركيين للانضمام إلى النشطاء واتخاذ إجراءات، من خلال الاحتجاج والتطوع والتصويت.

ووصفت رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي الحكم بأنه «شائن ويدمي القلب».

ويأتي الحكم بعد خمسين عاماً من جهود اليمين الديني الذي يرى في القرار انتصاراً كبيراً لكن ليس نهاية للمعركة ويسعى إلى مواصلة تحركاته لجلب أكبر عدد ممكن من الولايات إلى معسكره أو لمحاولة الحصول على حظر على المستوى الفدرالي.

وقال الرئيس الجمهوري السابق دونالد ترامب مشيداً بالحكم، إن «الله اتخذ القرار». وأكد نائبه السابق مايك بنس أن المحكمة «أصلحت خطأ تاريخياً».

قلق دولي

على الصعيد الدولي، يتعارض القرار مع التوجه نحو تحرير عمليات الإجهاض مع إحراز تقدم في البلدان التي لا يزال تأثير الكنيسة الكاثوليكية فيها قوياً، مثل أيرلندا والأرجنتين والمكسيك وكولومبيا.

وحذر المستشار الألماني أولاف شولتس من أن «حقوق النساء مهددة ويجب أن ندافع عنها بشكل حاسم»، مؤكداً أن الطريق نحو المساواة بين الجنسين لا يزال طويلاً والأمر ينطبق على ألمانيا والعديد من المناطق الأخرى في العالم.

وفي وقت سابق، دان عدد من القادة بمن فيهم رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون ونظيره الكندي جاستن ترودو «التراجع» الأميركي. وفي فرنسا، أعرب الرئيس إيمانويل ماكرون عن أسفه لـ «التشكيك» في حريات المرأة.

ووصفت ميشيل باشيليت، مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان حكم المحكمة بأنه «انتكاسة كبيرة بعد خمسة عقود من حماية الصحة والحقوق الجنسية والإنجابية في الولايات المتحدة».

حيازة الأسلحة

في المقابل، وقع اليوم بايدن أول قانون لتنظيم حمل الأسلحة، الذي يعد الأهمّ منذ نحو 30 عاماً لكنّ تدابيره المقترحة تبقى بعيدة جداً عما يريده بايدن، مثل حظر البنادق الهجومية.

ووسط التصفيق، تبنّى الكونغرس أمس القانون الذي نال دعم أعضاء من الحزبَين الجمهوري والديموقراطي في اتفاق نادر، خصوصاً بشأن هذا الموضوع المثير للانقسام.

وبعد تبنّيه في مجلس الشيوخ الخميس، وافق مجلس النوّاب على القانون الذي يشمل حزمة إجراءات تفرض قيوداً جديدة على الأسلحة وتُخصّص مليارات الدولارات لتمويل قطاع الصحّة العقليّة والسلامة المدرسيّة.

وأتى هذا النصّ ثمرة مبادرة انطلقت عقب مجزرة راح ضحيّتها 21 شخصاً بينهم 19 طفلا قُتلوا برصاص شابّ اقتحم مدرستهم في يوفالدي بولاية تكساس نهاية مايو فضلاً عن مجزرة بافالو في ولاية نيويورك حيث قتل 10 أشخاص سود في سوبرماركت في منتصف مايو.