المرأة في الدراما العربية
يجب إعادة النظر في المضامين والأفكار التي تقدمها الدراما العربية، خصوصا أن هذه الأخيرة تمارس دورا مهما في التأثير على اتجاهات الرأي العام في مجتمع معين، وذلك من خلال ترسيخ القيم والأفكار أو المساهمة في تغييرها، حيث تساهم الدراما في تكريس صور نمطية معينة عن المرأة تحاكي الثقافة الشعبية، ككائن خارج الفعل والتأثير في القضايا الحاسمة.
نلاحظ أن المسلسلات الرمضانية تشكل مادة دسمة للدراما العربية، التي يتم إعدادها لضمان أكبر نسب مشاهدة، حيث نرصد أن الكثير من هذه المسلسلات يصور المرأة في ثوب الضعف والخنوع لسلطة الرجل من جهة، ومن جهة أخرى تصورها في إطار الجرأة والإغراء مع الكثير من مشاهد العنف الأسري والظلم والقهر؛ في حين نجد أن القلة القليلة من الأعمال الدرامية العربية تعكس المكانة الاجتماعية والمهنية والأدوار القيادية للمرأة في المجتمع، لكن للأسف دون أن تخرجها من بوتقة السلطة الذكورية.في الواقع أن هذه المعالجة الدرامية لقضايا النساء تدعونا لطرح العديد من التساؤلات، خصوصاً أن الدراما كما يصرح الكثير من المختصين والمهتمين، بأنها المرآة التي تعكس واقع عالمنا العربي بجميع متناقضاته، لكن هذه المحاكاة التي تقدّمها الدراما تعمل في معظم الأحيان على تشويه الحقائق والإساءة للمجتمعات العربية وترسيخ الصور النمطية للمرأة؛ وبالتالي هل ساهمت الدراما في تعزيز صورة المرأة الخنوعة والمعنفة؟ وهل شجع تصوير مشاهد العنف والتهميش على تبخيس قضايا المرأة وزيادة العنف ضدها في الواقع، خصوصا أن علماء النفس يؤكدون أن التعود على مشاهد العنف في الإعلام يؤدي إلى تقبل العنف كأمر عادي في الحياة اليومية؟وهكذا، نجد أن أغلب الأعمال الدرامية كسرت كل ما قيل عن حرية المرأة، وبات الشباب يبحثون عن صورة فتاة للزواج على صورة فتيات إحدى المسلسلات خانعات راضيات، وهي صورة لا ترى في المرأة سوى أداة جنسية ينحصر دورها في إشباع رغبات الرجل، مما يجعل العلاقة بين المرأة والرجل تتأسس على التبعية والإخضاع لا على الندية والمساواة، مما ساهم في ترسيخ النظرة التبخيسية التي تختزل المرأة في الجسد.
ونستطيع القول إنه يجب إعادة النظر في المضامين والأفكار التي تقدمها الدراما العربية، خصوصا أن هذه الأخيرة تمارس دورا مهما في التأثير على اتجاهات الرأي العام في مجتمع معين، وذلك من خلال ترسيخ القيم والأفكار أو المساهمة في تغييرها، إذ تساهم الدراما في تكريس صور نمطية معينة عن المرأة تحاكي الثقافة الشعبية، ككائن خارج الفعل والتأثير في القضايا الحاسمة في الأسرة والمجتمع، المهتمة فقط بالشكليات أو تصورها بأنها أسيرة العاطفة ولا تستطيع مقاومتها وتحويل هذا الجانب في المرأة إلى عيب، أو أنها غير قادرة على التفكير وبلا طموحات أو وجهات نظر في القضايا العامة. ففي وقت كان من المفروض فيه أن نلمس تغييراً في بلورة التحولات التي شهدتها المنطقة العربية، لا سيما بعد ثورات الربيع العربي التي شهدت حضورا متميزا للنساء في ساحات النضال للمطالبة بالعدالة الاجتماعية والديموقراطية والتمكين من الحقوق والحريات، نجد ما يحثّنا على الدعوة إلى البحث عن سبل لتحسين هذه الصورة لتواكب الدور المتعاظم الذي باتت المرأة تؤديه في المنطقة، وتعكس الجهود التي تبذلها المنظمات غير الحكومية إلى جانب الدول في مجالات تمكين النساء والارتقاء بأوضاعهن الاجتماعية والثقافية والاقتصادية، على الرغم مما تلاقيه هذه الجهود أحيانا من تعثرات، إما بسبب الأعراف والتقاليد السائدة التي تحد من الرقي بوضعية المرأة، أو نتيجة غياب الديموقراطية والاستقرار السياسي في العديد من الدول العربية.* باحثة في الدراسات السياسية