خلال الثمانينيات، كانت الهند تتخذ القرارات الأساسية في سريلانكا، فاستفادت من دور الوساطة الذي أدته في الصراع العرقي الذي اجتاح الجزيرة، لكن أهمية نيودلهي تراجعت بعدما سحقت القوات السريلانكية الصراع المسلّح الذي أطلقته أقلية التاميل في مايو 2009، ثم ترافقت حقبة ما بعد الحرب مع برنامج عاجل لإعادة الإعمار والتنمية، فلم تقتنص الهند هذه الفرصة لاستعمال قوتها الاقتصادية والحفاظ على سيطرتها في سريلانكا، بل جاءت الصين العدائية لتملأ ذلك الفراغ بكل سرور.لكن منذ تفاقم الأزمة الاقتصادية بسبب نقص العملات الأجنبية الحاد في يناير 2022، يبدو أن الأدوار التي كانت قائمة في آخر عشر سنوات بدأت تنقلب اليوم.
وفق تصريح لرئيس الوزراء السريلانكي، رانيل ويكرمسينغ، في البرلمان في 22 يونيو، قدّمت الهند خطوط ائتمان بقيمة 4 مليارات دولار لتأمين المواد الغذائية والأسمدة والأدوية للبلد، وبحسب بيان صحافي جديد أصدرته المفوضية الهندية العليا، قدّمت الهند حتى الآن 5 مليارات دولار إلى سريلانكا على شكل مساعدات تنموية، فضلاً عن هبات تفوق قيمتها 600 مليون دولار.في المقابل وقفت بكين على هامش الأحداث حين كانت سريلانكا تغرق في الديون، ومن أصل مبلغ 26 مليار دولار الذي تخلّفت سريلانكا عن دفعه هذه السنة، يدين البلد بسبعة مليارات للصين.انطلاقاً من سياسة «الجوار أولاً» ومشروع «الأمن والنمو للجميع في المنطقة» (ساغار) بقيادة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، تتابع الهند إرسال شحنات يومية من السلع الضرورية إلى سريلانكا، ولنيل دعم الأحزاب السياسية الهندية، اجتمع وزير الخارجية الهندي، سوبرامانيام جايشانكار، مع عدد كبير من السياسيين لإقناعهم بتأييد هذا النهج، وفي خطوة مشابهة أخرى، أرسلت نيودلهي وفداً رفيع المستوى من كبار المسؤولين، بقيادة وزير الخارجية فيناي كواترا، إلى كولومبو في 23 يونيو، لمناقشة خطط التعافي مع الرئيس غوتابايا راجاباكسا ورانيل ويكرمسينغ.كذلك، صدرت مذكرة تفاهم في شهر مارس لفتح فرعٍ لشركة «ترينكومالي» للطاقة في شرق سريلانكا، وفي الوقت نفسه، فاز قطب الطاقة والموانئ الهندي، غوتام عداني، بمشروع للطاقة المتجددة بقيمة 500 مليون دولار في شمال سريلانكا. كان عداني قد فاز سابقاً بمشروع قيمته 700 مليون دولار لبناء محطة الحاويات الغربية في ميناء كولومبو أيضاً.وفي شهر مايو، أُبرِمت مذكرات تفاهم لإنشاء «مركز تنسيق الإنقاذ البحري»، وتنفيذ مشاريع الطاقة الهجينة في ثلاث جزر قبالة «جفنا»، وتطوير موانئ لمصايد الأسماك.يبدو أن الهند تريد التعويض عن الوقت الذي خسرته، فلم يعد الهنود يستطيعون التذمر الآن من أفضلية الصين في سريلانكا على مستوى توزيع المشاريع، لكن تسود حتى الآن مشاعر عدائية كامنة تجاه نيودلهي في الجزيرة، وتنتشر المخاوف من هيمنة الهند، فقد عبّر الزعيم القومي ويمال ويراوانسا عن خوفه من «بيع» البلد، وتساءل النائب المعارِض سيد الله ماريكار عن رغبة المسؤولين الهنود في الاستيلاء على جزيرة «كاتشاتيفو» مقابل المساعدات التي يقدمونها.قد يتحدد موقف سريلانكا من الهند خلال الأشهر المقبلة، بحسب حزمة الإنقاذ التي يقدمها صندوق النقد الدولي، لأن الهند تعوّل على هذه الخطة للمشاركة في إدارة شؤون سريلانكا، كذلك يتوقف الدعم المالي الغربي للجهود الهندية في الجزيرة على نجاح مهمة صندوق النقد الدولي، ويأمل ويكرمسينغ تلقي حزمة الإنقاذ من الصندوق بحلول شهر يوليو القادم.لا تزال طبيعة الدور الصيني غير محددة حتى الآن، فهل ستبقى الصين على هامش الأحداث وتراقب ما تفعله الهند والغرب لانتزاع مكانتها في سريلانكا؟ يظن المراقبون أن هذا السيناريو مستبعد نظراً إلى التطورات الحاصلة في منطقة المحيطَين الهندي والهادئ، لكن لم يتّضح بعد ما تُحضّر له الصين في المرحلة المقبلة.*ب. ك. بالاشاندران*
مقالات
الهند تقوي مكانتها في سريلانكا للتفوق على الصين
29-06-2022