ما وراء «العمليات العسكرية الصينية بخلاف الحرب»
أعلنت بكين حديثاً توقيع مذكرة تُحدد الخطوط العريضة «للعمليات العسكرية بخلاف الحرب»، فأجّجت بذلك المخاوف في بعض الأوساط من تأثّر جيش التحرير الشعبي الصيني بالقواعد العسكرية الروسية، مما يعني أن يستوحي تحركاته من «العمليات العسكرية الخاصة» التي تكلمت عنها موسكو في إشارة إلى غزوها لأوكرانيا، حتى أن بعضهم يعتبر المذكرة الجديدة تمهيداً لأزمة وشيكة في تايوان، لكن هذه التوقعات تبقى بعيدة عن الواقع.تشمل صلاحيات «العمليات العسكرية بخلاف الحرب»، بقيادة جيش التحرير الشعبي، فرض سيادة الصين والحفاظ على وحدة أراضيها فوق «خط السيطرة الفعلية» على الحدود الصينية - الهندية، فضلاً عن حفظ المساحات التي تطالب بها بكين في بحرَي الصين الشرقي والجنوبي، لكن لا تنذر معظم المؤشرات حتى الآن بوقوع صراع وشيك في محيط الصين قريباً، ونظراً إلى أولويات النظام على المدى القريب واهتمامه بحماية البلد من فيروس «كوفيد 19»، وكبح التراجع الاقتصادي الناجم عن تدابير الإقفال التام المتقطعة في مدن صينية كاملة بموجب سياسة «صفر إصابات»، يبقى الحفاظ على الاستقرار المحلي وتعزيز التعافي الاقتصادي أكثر إلحاحاً في الوقت الراهن.إلى جانب المعسكر الذي يعتبر قرار الرئيس الصيني، شي جين بينغ، بطرح الخطوط العريضة «للعمليات العسكرية بخلاف الحرب» (انطلاقاً من صلاحياته كرئيس اللجنة العسكرية المركزية) شكلاً من «التحذير» المقصود للقوى الداخلية والخارجية التي تفكر بتهديد أمن الصين واستقرارها الداخلي، يتوقع محللون آخرون، أن يُستعمَل هذا الإعلان كأداة لإثبات سيطرة شي جين بينغ القوية على الجناح المسلّح في الحزب الشيوعي الصيني، ولإخضاع خصومه السياسيين الداخليين مع اقتراب موعد المؤتمر الحزبي العشرين.
يخيّم هذا الحدث الذي تنظّمه الصين كل خمس سنوات على أجواء البلد، لذا من الطبيعي أن تُركّز بكين في المقام الأول على منع زعزعة الاستقرار بأي وسيلة ممكنة، إلى حين انتهاء المؤتمر في وقتٍ لاحق من الخريف المقبل على الأقل، وبدل شنّ الحرب ضد بلدان مجاورة أقل مستوى من الصين والمجازفة بارتكاب الأخطاء (بسبب ضعف الأداء بكل بساطة، كما حصل مع الجيش الروسي في أوكرانيا، أو الاضطرار لمواجهة قوات عسكرية من الطراز العالمي في حال قرر الجيش الأميركي التدخّل في الصراع)، قد تصبح المقاربات العسكرية أقل خيار يفضّله رئيس اللجنة العسكرية المركزية على الأرجح. وبما أن الجيش التابع للحزب الحاكم يخضع لسيطرة شي جين بينغ مباشرةً (اتّضح ذلك في سلسلة مقالات نشرتها صحيفة جيش التحرير الشعبي الرسمية في الشهر الماضي حيث تعهد الجيش بدعم استراتيجية الرئيس المثيرة للجدل للحفاظ على سجل يخلو من إصابات كورونا)، من الواضح أن الحفاظ على الوضع القائم في مضيق تايوان هو الخيار المنطقي في الوقت الراهن. في مطلق الأحوال، من الأفضل أن تحرص القيادة السياسية التايوانية على عدم استفزاز بكين. وفي حين يستمر التنسيق بين عمق الصين الاستراتيجي وثقلها الاقتصادي، لا بد من تفعيل جزءٍ من التوجيهات والأُطُر القانونية الخاصة بمذكرة «العمليات العسكرية بخلاف الحرب» إذا أراد جيش التحرير الشعبي أن يتكيّف مع الظروف الميدانية الجديدة، وبما أن مصدر القوة البحرية في الصين يتوقف على سهولة الوصول إلى الموانئ الخارجية، تثبت أحدث التقارير حول بناء منشأة بحرية صديقة للصين في كمبوديا واحتمال نشر وحدة من جيش التحرير الشعبي في جزر سليمان مستقبلاً توسّع دور الجيش الصيني في الخارج، وفيما تتخذ المصالح الوطنية الصينية طابعاً عالمياً متزايداً، يجب أن تواكب «العمليات العسكرية بخلاف الحرب» التي يقودها جيش التحرير الشعبي هذه التطورات طوال الوقت.* جيمس تشار