وين ما نطقها عوجة ألف مرة
«وين ما طقها عوجة أو عوجا، وسكة سد، ما فيش فايدة يا صفية» لو نعيد هذه الأمثال الشعبية ألف مرة لما كان كافياً... وكالة فيتش العالمية والتي نشرت «القبس» تقريرها أمس تتحدث عن التوقعات الاقتصادية للدولة بعد الحكومة والبرلمان القادمين، وهي (أي الوكالة) التي تقول في النهاية «وين ما طقها عوجة». الكلام موجه للسلطة التي ستجد نفسها غداً بعد الانتخابات البرلمانية في وضع لا تحسد عليه، فإما أن تسير وتطبق وصفة الإصلاحات المالية والاقتصادية مثل تلك التي تراها هذه الوكالات والصندوق أو البنك الدولي، وعندها ستواجَه من البرلمان الجديد باستجوابات وطرح ثقة ومعارك قد تختم بما ينهي مسيرة الحياة البرلمانية شبه الديموقراطية، وإما أن تظل على وضعها الحالي وتصرف ما في الجيب على هذا الجيل، وتتم ترضية الناس ونوابهم؛ فلا إصلاحات ولا تغيرات... ونبقى على طمام المرحوم. «فيتش» لا تقرأ البلورة السحرية، هي فقط تراجع تاريخ الواقع السياسي وتبني عليه تصوراتها، مصدر أحادي للدخل منذ ولادة برميل النفط، والدولة ليست دولة رعاية فقط وإنما هي دولة رعاية وريعية وفساد، يصعب تغييره وقلبه، فالسلطة نسيت خطتها 2035 – كتبت أمس الأول لمن لا يقرأ- ولم تشرع أي قوانين جدية للاستثمار الأجنبي أو تفكر حتى في تقليل الاعتماد على النفط... «والمأزق السياسي في الكويت سيؤدي إلى مزيد من التأخير في تحقيق إصلاحات ملائمة للأعمال التجارية المخطط لها ضمن استراتيجية كويت 2035» (من تقرير الوكالة).
ليس بالضرورة أن نتبع مثل هذه الوصفات الدولية تماما، لكن – في أضعف الإيمان- يمكن أن نأخذ منها ما يصلح لنا ونخفف من جرعات الريع، فرفع أو تقليل الدعوم للسلع والخدمات يجب أن يحدد وفق شرائح دخول البشر، فنستثني أصحاب الدخول المتوسطة والمتدنية، وكلا الفريقين هما من فئة الموظف العام، ويمكن فرض ضرائب تصاعدية (تقدمية) على الدخول والثروات الكبيرة، وهذه ليست مسألة سهلة ولكنها ليست مستحيلة، أيضا يمكن فتح أبواب دولة الخدمات والاستثمارات مثلما هو حادث في كل دول الخليج دون اشتراطات شعبوية... الكثير من الأمور يمكن أن نتداركها بعد عقود من التسويف والتطويل وسياسات «الهون أبرك ما يكون»، فقط نحتاج إرادة وعزيمة ورؤية عقلانية. سواء أخذنا بوصفات البنك أو الصندوق الدولي، وهي نتيجة فكر «نيو ليبرال» ونصائح ميلتون فريدمان وقبله فون هايك، أو حفظنا كتب بيكتي الاقتصادي الفرنسي الاشتراكي، أو انتقينا منها ما يصلح هنا، المهم في النهاية أن نخرج من هذا المأزق السياسي – الاقتصادي ونرتفع إلى مستوى التحدي الاقتصادي الكبير.