مع تعرّضه لنكسات في الشرق، حيث تخوض قواته معارك شرسة ضد واحد من أكبر الجيوش في العالم، تمكن الجيش الأوكراني من تحقيق انتصار في البحر الأسود. فقد أشاد الجيش الأوكراني أمس بـ «تحرير منطقة استراتيجية» بعد الإعلان عن انسحاب قوات موسكو من جزيرة الثعبان في البحر الأسود المحتلة منذ الأيام الأولى للغزو الروسي.

وقال القائد العام للقوات المسلحة الأوكرانية، فاليري زالوجني، على تطبيق تلغرام «أشكر المدافعين عن منطقة أوديسا الذين بذلوا أقصى جهودهم لتحرير منطقة ذات أهمية استراتيجية».

Ad

وأعلن الجيش الروسي أنه انسحب من جزيرة الثعبان. وقالت وزارة الدفاع الروسية «في 30 يونيو، وفي مبادرة حسن نية، أنجزت القوات الروسية أهدافها المحددة في جزيرة الثعبان، وسحبت كتيبتها منها». وأكدت أن من شأن هذه المبادرة تسهيل تصدير الحبوب من أوكرانيا.

وتقع الجزيرة على مسافة نحو 50 كيلومترا من مصب نهر الدانوب، أحد الأنهار الرئيسية في أوروبا والطريق التجاري المهم، وعلى مسافة نحو مئة كيلومتر من أوديسا، وتسمح نظريا بضرب كل الساحل الأوكراني، وفقا لـ «فرانس برس».

كما تقع على مسافة أقل من 200 كيلومتر من ميناء كونستانتا الروماني الرئيسي و300 كيلومتر من القاعدة الروسية الرئيسية بشبه جزيرة القرم في سيفاستوبول، حسب «فرانس برس».

وبالنسبة إلى كييف، فسوف تساعد استعادة الجزيرة في كسر الحصار الذي تفرضه القوات الروسية على شواطئ أوكرانيا في البحر الأسود.

وتعرّض اقتصاد أوديسا للاختناق بسبب إغلاق موانئها والحصار الروسي على البحر الأسود، وقال عمدة المدينة، جينادي تروخانوف، إن «جزيرة الثعبان أصبحت رمزا»، حسب «وول ستريت جورنال».

وتهيمن البحرية الروسية على البحر الأسود قبالة سواحل أوكرانيا، وفرضت حصارا على جميع السفن البحرية والتجارية الأوكرانية، وفقا لـ «رويترز».

الحبوب «المحتلة»

وفي خطوة اخرى، أعلنت السلطات التي نصّبتها قوات الاحتلال الروسية في جنوب أوكرانيا، أمس، انطلاق أول سفينة محملة بـ 7 آلاف طن من الحبوب الأوكرانية من مرفأ بيرديانسك، في أول عملية تصدير من نوعها.

وتتهم كييف منذ أسابيع روسيا بسرقة محاصيلها من القمح في المناطق التي احتلتها بجنوب البلاد لإعادة بيعها بصورة غير مشروعة في العالم. وكانت الشحنات تصدّر حتى الآن برا وعبر السكك الحديد، بحسب وسائل إعلام وكييف. وفتحت روسيا الآن خطا بحريا لتصدير القمح الأوكراني إلى دول أخرى.

القاموس السوفياتي

الى ذلك، لجأ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الى القاموس القديم، مستحضراً عبارات سوفياتية لانتقاد تعهّد حلف شمال الأطلسي (ناتو) الذي اختتم قمته في مدريد بدعم أوكرانيا طالما كان ذلك ضرورياً، مهاجماً «الطموحات الإمبريالية» للتكتل العسكري، وذلك في مؤتمر صحافي بالعاصمة التركمانية عشق أباد أمس الأول.

وأكد الرئيس الروسي أن «دعوة أوكرانيا إلى مواصلة القتال ورفض المفاوضات لا تؤكد فرضيتنا بأن أوكرانيا ومصلحة الشعب الأوكراني ليست هدف الغرب والحلف الأطلسي فحسب، بل وبأنها وسيلة للدفاع عن مصالحهم الخاصة».

وفي تصريحات للتلفزيون الروسي، قال بوتين إن حلف ناتو و»بالدرجة الأولى الولايات المتّحدة، كانت بحاجة منذ فترة طويلة إلى عدو خارجي يمكن أن توحّد حلفاءها حوله»، مضيفًا أنّ «إيران لم تكن جيّدة في أداء هذه المهمة».

العقوبات سبب للحرب

وقال الرئيس الروسي في كلمة أمام منتدى قانوني بمسقط رأسه في سان بطرسبرغ أمس «روسيا منفتحة على الحوار بشأن ضمان الاستقرار الاستراتيجي والحفاظ على أنظمة عدم انتشار أسلحة الدمار الشامل وتحسين الوضع في مجال الحد من التسلح».

وأضاف أن العقوبات غير المشروعة وتجاهل السيادة وتخريب المعاهدات في مجال الاستقرار الاستراتيجي، تلقي بالشك على جوهر المنظومة القانونية العالمية، مشيراً الى أن روسيا، باعتبارها إحدى الدول العالمية الرائدة، تتمسك بثبات بمبدأ سيادة القانون. وقال بوتين: «نحن نعتبر ذلك شرطا أساسيا لبناء نظام عالمي متعدد الأقطاب قائم على التعاون المتكافئ في المجال السياسي وفي مجال الأمن والاقتصاد والعلوم والثقافة والرياضة».

من ناحيته، قال نائب رئيس مجلس الأمن الروسي، ديمتري ميدفيديف، الذي تحول الى إحدى الشخصيات الأكثر تشددا في النظام الروسي، أمس، إن العقوبات ضد موسكو قد يُنظر إليها في ظروف معيّنة على أنها عمل عدواني ومبرر للحرب، مضيفا أن لروسيا الحق في الدفاع عن نفسها.

التهديد الأكبر

وعلى هامش الاجتماع الأطلسي في العاصمة الإسبانية، أعلنت لندن وواشنطن تعزيز مساعدتهما العسكرية والاقتصادية لأوكرانيا. ورحب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في خطابه اليومي بهذه «القمة الخاصة» التي وصفها بأنها «قمة تحوّل».

وفي خريطة طريق استراتيجية جديدة تم تبنيها في قمة مدريد، صنف الحلف روسيا على أنها «التهديد الأكبر والمباشر لأمن الحلفاء». وتحذّر هذه الوثيقة التي لم تخضع للمراجعة من قبل منذ 2010 أنه «لا يمكننا استبعاد احتمال وقوع اعتداء على سيادة أو سلامة أراضي الحلفاء».

وصادقت دول الحلف على تعزيز وجودها العسكري على جناحه الشرقي، مما سيرفع عديد «قوات الجاهزية العالية» إلى أكثر من 300 ألف جندي. وصادق الحلف على توسيعه ليشمل السويد وفنلندا. واعتبر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أمس، أن انضمام هذين البلدين الى الحلف رسالة لبوتين بأن تصرفاته أدت إلى نتائج معاكسة.

إمدادات كالينينغراد

الى ذلك، قال رئيس بيلاروس ألكسندر لوكاشينكو، في لقاء مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إنه يتوافر لدى مينسك وموسكو القدر الكافي من القوة والوسائل لتوصيل البضائع اللازمة إلى كالينينغراد من دون أي توتر أو خوض أي حروب. وانتقد سياسة السلطات الليتوانية، مشيرا إلى «حماسها المفرط» في فرض القيود على روسيا وبيلاروس.

الرئيس الروسي يستحضر تاتشر

رفض الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أمس، زعم رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون بأنه لو كان امرأة لما أقدم على غزو أوكرانيا، واستشهد بقرار رئيسة الوزراء البريطانية السابقة مارغريت تاتشر إرسال قوات إلى جزر فوكلاند قبالة الأرجنتين، ليدحض نظرية جونسون. ووصف جونسون قرار بوتين بشنّ ما تسميه موسكو «عملية عسكرية خاصة» ضد أوكرانيا بأنه «مثال نموذجي للذكورة السامة»، وسخر من نزعة بوتين لتعزيز صورته الرجولية.

كما علّق الرئيس الروسي على نقاش دار بين قادة مجموعة السبع الاثنين الماضي، سخروا منه خلاله، وقالوا إنهم «ينوون خلع ملابسهم وإبراز عضلات صدورهم»، ليظهروا أقوياء مثل بوتين، في إشارة الى صورة شهيرة للرئيس الروسي وهو يمتطي حصاناً.

وردا على سؤال، قال بوتين إنه لم يفهم تحديدا ما يعنونه بـ «خلع الملابس»، وتساءل عمّا إذا كانوا يعنون بذلك «الجزء العلوي أم السفلي»، مضيفاً أنه يظن أن «المشهد سيكون مقززا على أي حال».