لكل فنان عين ورؤية تختلف عنها لدى فنان آخر، لكن حين يجتمع عدد كبير من الفنانين لرسم شيء واحد، فالمؤكد أن النتيجة ستكون باقة جمال متنوعة الرؤى، وهذا ملخص معرض «طولون بأعيننا» الذي افتتح أخيراً في نقابة التشكيليين بدار الأوبرا المصرية.وتستضيف النقابة حالياً معرض «طولون بأعيننا»، لطلبة الفرقتين الثالثة والرابعة في شعبة الرسوم المتحركة وفنون الكتابة بقسم الغرافيك - كلية الفنون الجميلة في جامعة حلوان.
المعرض الذي افتتحته نقيبة التشكيليين صفية القباني، وعميد كلية الفنون الجميلة عمرو سامي، يضم نحو 80 عملاً من لوحات طلبة الفرقة الرابعة، تمثل مناظر مرسومة من داخل مسجد أحمد بن طولون بخامات متنوعة، أما طلبة الفرقة الثالثة فتناولوا المكان من خلال رسم الخلفيات البانورامية للرسوم المتحركة.
خامات متنوعة
وتتنوّع الأعمال الفنية المعروضة، فهناك لوحات رسمها طلبة الفرقة الرابعة بخامات بين الأحبار والكلور، والجواش والأكريليك والألوان المائية مع الخطوط المرسومة بسن الريشة.أما طلبة الفرقة الثالثة فعبروا برسم الخلفيات البانورامية للرسوم المتحركة، عن أجواء المكان من خلال الرؤية الفنية لكل منهم، مستخدمين ألوان الجواش، مطلقين العنان لخيالهم في رسم الخطوط بإحساس كارتوني متمثل في المبالغة والاختزال، وكذلك في استخدام الألوان بشكل مميز من خلال إحساس كل منهم.في رحاب العبق
من جانبه، يقول الأستاذ في قسم الغرافيك بكلية الفنون الجميلة الفنان عبدالعزيز الجندي، إنه «في رحاب العبق... هناك حيث الدفء في الأنحاء وفي القلوب، كانت لنا أيام مع المسجد العتيق ذي الطابع الفريد، وما إن خَطَت أقدامنا أروقته الحانية حتى شعرنا بالانتقال إلى عالم خاص جديد، ضمتنا عقوده الرحبة الشامخة في حُنُوٍ لا يخلو من جلال وخشوع».يتابع الجندي: «شاهدنا صحن المسجد الفسيح أمامنا، فتخللت السكينة قلوبنا وشعرنا براحة غريبة هيأتنا لأن نختلي بأنفسنا ونسمو بها، فهفت للتعبير والإبداع، بعد أن وصلت لرهافة الحس الذي التمسته من المكان وأجوائه الحميمة».ويوضح: «يمتاز المسجد بمئذنته (الملوية) التي تظهر من بعيد، وفيما يحكي دَرَجُها الخارجي قصة ضاربة بجذورها في الزمن، وحين نصعدها نطل من أعلاها على الصحن والأروقة، ونشاهد القبة المميزة تحتضن وتظلل الميضأة العتيقة، فنستوعب ونحتوي هذا البناء الفسيح، الرحب الجميل».ومكث الفنانون الشباب من طلبة الفنون الجميلة أسابيع متوالية داخل المسجد، كان الالتزام فيها ممتزجاً بالحرية في التعبير والتناول، فحينما التزمت الفرقة الرابعة بأن تنقل منظراً بقواعده وأبعاده، فقد أطلقت العنان لنفسها بالتعبير من خلال خامات حرة قريبة من قلب كل فنان.خلفية بانورامية
وانحصر التعبير لدى طلبة الفرقة الثالثة في تنفيذ خلفية بانورامية ذات شكل عام موّحد وبالالتزام بخامة الجواش الدراسية المُحافظة، لكن الاختلاف والانطلاق كانا في الخيال الجامح الذي جعل كل فنان يتصوَّر المنظر الذي أمامه بطريقته ويعيد صياغته كخلفية رسوم متحركة يُخضع فيها الخطوط والمناظير والألوان لمخيلته ولإحساسه الخاص.وكان اللقاء الأول للفنانين داخل المسجد في شهر رمضان الماضي، فأضفى على المكان أجواءً روحانية عطرة، وشعر الفنانون المجتهدون بنفحات استغلوها في تنفيذ أعمالهم بكل حب وارتياح... والآن تُعرض هذه الأعمال تتويجاً للتجربة والتقاءً بالجمهور«الطولوني»... أحد مساجد مصر المُعلّقة
مسجد أحمد ابن طولون أو المسجد الطولوني أحد المساجد الأثريّة الشهيرة في القاهرة. أمر ببنائه أحمد بن طولون مؤسس الدولة الطولونية سنة 263هـ/877م بمدينته الجديدة «القطائع» ليصبح ثالث مسجد جامع بُني في عاصمة مصر الإسلامية بعد جامع عمرو بن العاص الذي بُني في الفسطاط، وجامع العسكر الذي بُني في مدينة العسكر. ورغم أن مسجد عمرو بن العاص لا يزال موجوداً فإن المسجد الطولوني يُعد أقدم مساجد مصر القائمة حتى الآن لاحتفاظه بحالته الأصلية بالمقارنة بمسجد عمرو بن العاص الذي توالت عليه الإصلاحات التي غيَّرت معالمه.وشُيد المسجد الطولوني فوق ربوة صخرية كانت تُعرف بـ «جبل يشكر»، ويُعتبر من المساجد المعلقة، وهو أحد أكبر مساجد مصر حيث تبلغ مساحته مع الزيادات الخارجية حوالي ستة أفدنة ونصف الفدان، وقد بُني على شكل مربع مستلهماً من طرز المساجد العباسية، خصوصاً مسجد سامراء بالعراق الذي استلهم منه المنارة الملوية.