رياح وأوتاد: مفاهيم مغلوطة وحكومة غير ناطقة
مقولة إن «المجلس سيد قراراته» تعطي مفهوماً ناقصاً إذا تم إطلاقها هكذا دون إكمال أو بيان، والصحيح أنه سيد قراراته فيما لا يخالف الدستور أو قانون اللائحة، لأن فيهما العديد من التنظيم والقيود لممارسة أعضاء الحكومة والنواب عملهم في المجلس.
● شاهدت شريط فيديو وصلني عبر الهاتف قبل أيام لأحد النواب السابقين في خطاب جماهيري أُلقي قبل سنوات قليلة في إحدى الساحات يقول فيه إنهم ووفقاً للمادة السادسة من الدستور التي تنص على أن «السيادة للأمة» قد قرروا باسم الأمة في هذه الساحة أن الشيخ (وذكر اسمه) هو آخر رئيس وزراء من ذرية مبارك الصباح.وهذا منطق عجيب ومخالفة شرعية كبيرة وخلل خطير في فهم الدستور، حتى أنه انطلى على أحد الإخوة في ديوانية معروفة يوم الأربعاء الماضي، ولحسن الحظ كان بعض الإخوة القانونيين موجودين في الديوانية، حيث شرحوا له أنه لا يجوز فهم المادة السادسة بالاكتفاء بقراءة نص الفقرة الأولى والثانية الخاصة بالسيادة دون قراءة الفقرة الثالثة من المادة نفسها والتي تنص على «وتكون ممارسة السيادة على الوجه المبين في هذا الدستور»، بالإضافة طبعاً الى باقي مواد الدستور، وذلك أن الدستور قد شرح كيفية ممارسة السيادة، فوضع لكل سلطة من السلطات العامة أعمالها واختصاصها، وفي مقدمتها سلطات صاحب السمو الأمير، فهو حسب نص الدستور الذي يختار رئيس الوزراء، وهو يتولى السلطة التشريعية مع مجلس الأمة، ويتولى السلطة التنفيذية مع مجلس الوزراء، كما بين الدستور دور باقي السلطات، ودور الشعب في المشاركة في الحكم والحريات العامة.وقد تعرضت المحكمة الدستورية لتفسير هذا النص في حكمها (2012/26) فذكرت «أن الدستور وقد رسم لكل سلطة من السلطات الثلاث حدود اختصاصها ووظائفها وصلاحياتها، لم يجعل أي سلطة منها تعلو على الأخرى، فجميع هذه السلطات خاضعة للدستور، وكل سلطة تستمد كيانها واختصاصها من القواعد التي رسمها لها الدستور، ولا يجوز لها بالتالي الخروج عن أحكامه، ولا صحة في القول بأن التشريعات التي تصدرها السلطة التشريعية محصنة وراء تعبيرها عن إرادة الأمة، ولا هي صاحبة السيادة في الدولة، فالسيادة هي للأمة طبقاً لصريح المادة 6 منه، وإرادتها جرى التعبير عنها في الدستور».
● وليس هذا هو الخطأ الوحيد الذي تقع فيه بعض المقالات والندوات السياسية أحياناً، فهناك أيضاً مقولة إن المجلس سيد قراراته التي تعطي مفهوماً ناقصاً إذا تم إطلاقها هكذا دون إكمال أو بيان، والصحيح أن المجلس سيد قراراته فيما لا يخالف الدستور أو قانون اللائحة، لأن فيهما العديد من التنظيم والقيود لممارسة أعضاء الحكومة والنواب عملهم في المجلس، فالسؤال البرلماني له ضوابط وكذلك الاستجواب، وأيضاً تنظيم المناقشة وأسلوب الحديث (مادة 88) من اللائحة: «لا يجوز للمتكلم استعمال عبارات غير لائقة أو فيها مساس بكرامة الأشخاص أو الهيئات أو أضرار بالمصلحة العليا للبلاد»، وكذلك نظم الدستور وفصلت اللائحة كيفية التصويت على القرارات والقوانين ونصت على حق الأمير في إعادة القوانين الى مجلس الأمة، ولزوم الحصول على أغلبية خاصة في بعض القوانين، وعدم جواز إعادة تقديم اقتراح العضو الذي تم رفضه إلا بعد مرور مدة معينة. وهكذا ينظم الدستور وتنظم اللائحة أعمال المجلس بشقيه ولا يجوز للمجلس أن يخالف هذه الأنظمة، فهو سيد قراراته ما دام يعمل في إطارها ويلتزم بأحكامها.● وكلمة المجلس التي نكررها دائما تعني كل أعضاء المجلس المنتخبين وكذلك الوزراء الذين يعتبرون أعضاء في المجلس بحكم وظائفهم حسب المادة 80 من الدستور، ولهم حق التصويت على جميع القرارات والقوانين ما عدا قراري طرح الثقة بأحد الوزراء وعدم التعاون مع رئيس الوزراء، كما أن لهم حق رفع مرسوم إعادة النظر في القانون الذي لا توافق عليه الحكومة الى صاحب السمو الأمير لإعادته الى المجلس لإعادة التصويت عليه بأغلبية خاصة، وهذا الدور الذي رسمه الدستور للحكومة يتناسب أيضاً مع نص المادة (123) منه التي نصت على «يهيمن مجلس الوزراء على مصالح الدولة»، فيجب أن تحسن الحكومة القيام بدورها الدستوري في المجلس بما يحقق مصالح الدولة. ● أما عن عضو المجلس فكثيراً ما يخطئ بعض الأعضاء فيعتبر أن رأيه الذي يعبر عنه أثناء حديثه في المجلس أو في الإعلام بأنه رأي الأمة مستشهدا بنص المادة (108) من الدستور «عضو مجلس الأمة يمثل الأمة بأسرها»، وهذا أيضاً غير صحيح، فليس من الضرورة أن يمثل رأي النائب في كل ما يقوله رأي الأمة، لأن كلامه وموقفه عبارة عن اجتهاد شخصي قد يعبر عن رأي الأمة وقد يخطئ، وكثيراً ما يختلف الأعضاء في آرائهم، وقد تطرقت المحكمة الدستورية في حكمها للتفسير الصحيح لهذه المادة فقالت «أما عن النص الوارد في المادة (108) فمعناه أن يكون عضو مجلس الأمة مستقلاً كل الاستقلال عن ناخبيه، وليس أسيراً لمؤيديه من أبناء دائرته، تابعاً لهم يرعى مصالحهم الخاصة البحتة، وإنما يرعى المصلحة العامة، دون تجاوز هذا المعنى».● قرار إحالة كل من بلغ 60 عاماً إلى التقاعد مع صرف مكافآت مجزية لهم الذي صدر من إحدى الجهات الحكومية مؤخراً هل هو قرار مدروس؟ فقد قرأت واستمعت إلى كثير من الآراء حول هذا القرار، فمن الناس من يرى أن من بلغوا الستين لا يستوون في الخبرة والعطاء، ومن الخطأ أن يعاملوا معاملة واحدة لأن منهم كثيرين يمكن الاستفادة من عملهم وخبراتهم، في حين هناك من أيد القرار على اعتبار أنه سيفسح المجال لقيادات شابة، كما أن هناك من انتقد مصداقية الحكومة لأنها زعمت وجود عجز مالي، لكنها تقوم بالصرف الكبير في بعض الجهات وفي الخارج دون عدالة أو مساواة بين الموظفين في الدولة.وهناك من يرى أن المشكلة ليست في هذا القرار وحده لأن معظم القرارات الحكومية غير مدروسة ومتناقضة مع أهدافها المعلنة ومع باقي أعمالها، ولا تتوافق مع قانون الخطة الخمسية، وللأسف مثل كثير من القرارات لم تقم أي جهة حكومية بشرح القرار وأسباب صدوره وتكلفته المالية وتأثيره على العجز، وهل سيستمر في المستقبل أم أن من سيتقاعد بعد ذلك لن يكون له نصيب منه؟! لذلك فإن من أهم واجبات الحكومة، ونحن على أعتاب مرحلة جديدة، أن تكون حكومة ناطقة تشرح وتبرر قراراتها وأعمالها وتثبت لجميع المواطنين أن قراراتها صحيحة، وتحقق المصلحة العامة الوظيفية والمالية والاقتصادية وبعدالة تامة بين المواطنين خصوصاً في الرواتب والمزايا والمكافآت، لأن الاختلال في هذه الأمور قد يؤدي إلى استياء كبير بين المواطنين، وهم المكون الأساسي للبذل والعطاء في وزارات الدولة، مما قد ينعكس بعد ذلك على نفسيات العاملين والإضرار بقيم العمل.
أحمد يعقوب باقر
من أهم واجبات الحكومة أن تكون ناطقة تشرح وتبرر قراراتها وأعمالها وتثبت لجميع المواطنين أنها صحيحة