«قواعد المنشأ الوطنية» السعودية وأثرها على الضريبة الجمركية بين دول الخليج

نشر في 04-07-2022
آخر تحديث 04-07-2022 | 00:00
 د. سارة خالد السلطان
د. سارة خالد السلطان
 د. سارة خالد السلطان نشرت جريدة الجريدة بتاريخ 22/ ٦/ 2022 خبرًا يفيد فرض السعودية رسومًا جمركية على الصادرات الكويتية، ويثير هذا الخبر تساؤلات حول الأساس القانوني لفرض هذه الضريبة، وأسباب تغيُّر المعاملة الضريبية للمنتجات الكويتية في السعودية، والأسلوب الأمثل للتعامل مع الوضع الجديد، ولفهم ذلك يجب فهم الإطار القانوني المنظم لمثل هذه التعاملات.

ففي سبيل الوصول إلى السوق الخليجية المشتركة؛ اتفقت دول مجلس التعاون على إنشاء الاتحاد الجمركي، بوصفه خطوة من الخطوات المهيئة لإنشاء تلك السوق، ويقصد بالاتحاد الجمركي منطقةً تُستبعَد فيها الضرائب الجمركية بين دول الاتحاد، أما البضائع والمنتجات الواردة من بقية دول العالم فتُطبَّق عليها الضرائب عند دخولها في أول منفذ جمركي بمنطقة الاتحاد، ويهدف الاتحاد إلى تقليل القيود على انتقال السلع الوطنية والمستوردة، وزيادة التجارة البينية بين دول الاتحاد، وتشجيع المنافسة بين المنتجات الوطنية للدول، مما يؤدي إلى انخفاض الأسعار على المستهلك.

ووفقًا للمادة الأولى من الاتفاقية الاقتصادية بين دول مجلس التعاون 2001م، فإن إنشاء الاتحاد الجمركي يفرض أن تُعامَل السلع المنتجة في أي دولة من دول الاتحاد الجمركي الخليجي معاملة السلع الوطنية في بقية الدول، ويسمح لها بالتنقل بحريّة بين دول الاتحاد، وبموجب ذلك تتمتع المنتجات الوطنية لأي دولة من دول مجلس التعاون بالمعاملة الضريبية ذاتها المقررة للمنتجات المحلية في بقية الدول، بمعنى أن المنتجات الكويتية تتمتع في السعودية بالمعاملة التفضيلية نفسها التي تتمتع بها السلع السعودية، إلا أن هذه المعاملة مشروطة بوجود شهادة تثبت منشأ السلعة، أي تبيّن بلد إنتاجها، فلا تُعامل السلع المنتجة في الكويت معاملة السلع الوطنية بالسعودية إلا بعد استخراج شهادة منشأ تشهد بأن هذه السلع قد أُنتِجَت فعلًا بالكويت.

ورغبةً في استكمال متطلبات الاتحاد الجمركي، وحَّدت دول مجلس التعاون قوانينها الجمركية عام 200٨م من خلال إقرار قانون الجمارك الموحد لدول مجلس التعاون، وينص القانون في المادة التاسعة منه على أن تخضع البضائع التي تدخل إلى الدولة للضريبة والرسوم الجمركية إلا ما استُثْنِيَ بموجب هذا القانون، أو بموجب الاتفاقية الاقتصادية بين دول مجلس التعاون 2001م، وقد نصت المادة الأولى - كما سبق أن أوضحنا - على معاملة السلع الخليجية معاملة السلع الوطنية، وتَنقُّل السلع بين دول الاتحاد من دون قيود جمركية.

وهذه النصوص تجعلنا أمام سؤال حول كيفية تصنيف سلعة ما على أنها سلعة وطنية تتمتع بالمعاملة الضريبية التفضيلية للأغراض الجمركية، فكيف يمكن للجمارك السعودية اعتبار سلعةٍ ما «كويتيةً» حتى تعاملها معاملة السلع السعودية ولا تفرض عليها ضرائب؟ هل تعُد كل السلع المنتجة في الكويت سلعًا كويتيةً تتمتع تلقائيا بالمعاملة التفضيلية الضريبية؟ الجواب: لا، وهنا يأتي دور ما يسمى بـ « قواعد المنشأ الوطنية» التي تنظِّم الشروط الواجب تحقيقها في سلعة ما لعدِّها سلعةً وطنية، أي الشروط الواجب تحققها في السلع المنتجة في الكويت حتى تُعد سلعًا كويتيةً، فتتمتع بالمعاملة التفضيلية الضريبية في الجمارك السعودية.

لم يرد في قانون الجمارك الموحد تنظيمٌ تفصيلي لقواعد المنشأ، والشروط اللازمة في المنتجات لعدّها وطنيةً، إلا أن القانون ينص في المادة 2٥ على أنْ «تخضع البضائع المستوردة لإثبات المنشأ وفق قواعد المنشأ المتفق عليها في إطار المنظمات الاقتصادية الدولية والإقليمية النافذة»، وهذا يعني أن القانون يُخضِع أي سلعة مستوردة من دول العالم للقواعد المقررة لقواعد المنشأ المتفق عليها على مستوى المنظمات الدولية، لكنّ السؤال هنا ينحصر بالسلع الخليجية التي تُنْتَج في إحدى دول الخليج، فهل توجد قواعد على مستوى مجلس التعاون تنظِّم اعتبار سلعٍ منتجةٍ في إحدى دول المجلس سلعًا وطنية؟ وعند الرجوع للقرارات والبيانات المنشورة بموقع مجلس التعاون يتبين عدم وجود مثل هذه القواعد.

وقد أصدرت السعودية في شهر يوليو 2021م قرارًا ينظم «قواعد المنشأ الوطنية» لبيان الشروط اللازمة لاعتبار منتجات إحدى دول مجلس التعاون سلعًا وطنيةً لأغراض المعاملة الضريبية التفضيلية، فحددت هذه القواعد منشأ السلع الوطنية الواردة من دول مجلس التعاون التي تدخل المملكة، سواء أكانت كاملة الصنع في الدولة الخليجية أم نصف المصنعة، وقد اشترط القرار عدة شروط لتحقيق ذلك؛ منها: أن تُشحَن مباشرةً من الدولة الخليجية المنتجة إلى السعودية، وألا تقلَّ - كأصل - نسبة توطين العمالة الوطنية عن 2٥ بالمئة من إجمالي عدد العاملين بالمنشأة، أو أن تزيد نسبة القيمة المضافة محليًا على ٤0 بالمئة إذا كانت المواد غير مصنَّعة بالكامل في إحدى دول الخليج.

غير أن القرار عدَّ كثيرًا من العمليات غير كافية لاكتساب صفة «المنشأ الوطني» بغضّ النظر عن نسبة الإضافة، منها: عمليات حفظ المنتجات في أثناء النقل، وعمليات خلط المنتجات، ولصق العلامات التجارية، وتغليف المنتجات وفكها وتركيبها وتعبئتها، ويترتب على هذا القرار أن أي سلعة لم تستوفِ الشروط المذكورة فإنها لا تُعامل معاملة السلع الوطنية حتى لو أُنتِجت في الخليج، وتتعلق إشكالية السلع الكويتية المفروضة عليها ضريبة جمركية بالخليج بمشكلة عدم استيفائها الشروط وفقًا لقواعد المنشأ الوطنية السعودية الجديدة.

ووفقًا لتصريحات وزير المالية السعودي، محمد الجدعان، في حسابه الرسمي بـ «تويتر»؛ فهذه القواعد «ستسهم في تعزيز المحتوى المحلي من خلال دعم الصناعة الوطنية الخليجية وتعزيز التنمية المستدامة»، وذلك بزيادة نسبة التوطين، ومن المفترض أن تدفع هذه القواعد المصانع الخليجية لزيادة عدد المواطنين العاملين فيها، وتطوير عملياتها الإنتاجية.

وعلى الرغم من عدم وجود قواعد تقيد حق الدول الخليجية بإقرار قواعد تنظم المنشأ الوطنية في اتفاقيات مجلس التعاون، فإن وضع دولة من الدول الأعضاء مثل هذا النوع من القواعد بصورة فردية يخالف أهداف الاتحاد الجمركي التي تسعى الدول الخليجية لإتمام متطلباته، ومع أن القرار يهدف على المدى البعيد لتعزيز الصناعات الوطنية؛ إلا أن تطبيقه من دون صدور قرار على مستوى مجلس التعاون يؤدي لتقييد تنقل السلع الوطنية التي لا تنطبق عليها الشروط المذكورة في القرار، فوفقًا لإحدى الصحف السعودية؛ فقد تراجعات واردات السعودية من الإمارات بنسبة ٣2 بالمئة بعد تطبيق القرار، لذا فمن الأفضل أن تُنسّق دول مجلس التعاون فيما بينها عند وضع قواعد المنشأ الوطنية، وأن تسعى لتوحيدها، فتشارك كل الدول في إقرار هذا القرار، مع مراعاة قدرات صناعاتها الوطنية على تطبيقه تطبيقًا تدريجيًّا.

* أستاذة القانون الضريبي بكلية الحقوق - جامعة الكويت

back to top