في الأسبوع الماضي، أرسلت الهند 27 طناً من مساعدات الإغاثة الطارئة إلى أفغانستان بعد تعرّض البلد لهزة أرضية بقوة 5.9 درجات ومقتل أكثر من ألف شخص، وفي وقتٍ سابق من شهر يونيو، أرسلت نيودلهي وفداً دبلوماسياً إلى أفغانستان للمرة الأولى منذ عودة «طالبان» في شهر أغسطس من السنة الماضية، وهي تمدّ البلد بالمساعدات الغذائية منذ فترة أيضاً، وتُعتبر هذه الجهود كلها محاولة واضحة لتجديد بصمة الهند الدبلوماسية في كابول.

رحّبت حركة «طالبان» الأفغانية بقرار إرسال دبلوماسيين من الهند واعتبرت هذه الخطوة إثباتاً على تحسّن الوضع الأمني، ويقول عبدالقهار بلخي، المتحدث باسم وزارة الخارجية الأفغانية: «ترحّب إمارة أفغانستان الإسلامية بقرار الهند إعادة الدبلوماسيين والفريق التقني إلى سفارتها في كابول لمتابعة التواصل مع الشعب الأفغاني وتلبية حاجاته الإنسانية».

Ad

تراقب إسلام أباد حتماً هذه العلاقات المتوسّعة بين الهند و»طالبان» عن قرب، علماً أن الجيش الباكستاني عجز طوال عقود عن تقبّل فكرة وجود الهند في أفغانستان، فلطالما اعتبرت باكستان أن الهند تستعمل الأراضي الأفغانية لزعزعة استقرارها، لذا تعتبر أي شكل من الوجود الهندي في أفغانستان تطوراً سلبياً.

حاولت «طالبان»، منذ استيلائها على كابول، أن تمنع خطط باكستان بإنهاء تسييج الحدود الممتدة على 2600 كلم، كذلك، أبدت الحركة استعدادها لاستغلال الفوضى الراهنة في المناطق القبلية الباكستانية كورقة ضغط ضد إسلام أباد.

برأي الكثيرين في إسلام أباد، يثبت هذا الوضع أن «طالبان» لم تعد تتلقى الأوامر من باكستان دعماً للجهود الرامية إلى احتواء دور الهند في أفغانستان، ويبدو أن استراتيجية إسلام أباد لاحتواء الهند بمساعدة «طالبان» لم تعد فاعلة بقدر ما كانت عليه في الماضي.

لكن لا يعني ذلك أن إسلام أباد تعجز عن استغلال انعدام الثقة بين الهند و»طالبان» لإضعاف هذه العلاقة الناشئة، ففي المقام الأول، يجب أن تثبت «طالبان» للهند أنها جدّية في التحرك ضد جماعات متشددة ومدعومة من باكستان، مثل منظمتَي «عسكر طيبة» و»جيش محمد» المتمركزتَين في أفغانستان، ولن يكون تحرك «طالبان» ضد هاتين الجماعتَين سهلاً لأنهما لا تزالان قريبتَين أيديولوجياً من «طالبان» وقد حاربتا إلى جانب الحركة في الماضي.

وفق تقرير جديد أصدرته الأمم المتحدة، لا تزال هاتان الجماعتان ناشطتَين في مخيمات تدريب في أفغانستان، ويخضع جزء من تلك المخيمات لسيطرة «طالبان» مباشرةً، ونظراً إلى عمق العلاقة بين باكستان ومنظمتَي «عسكر طيبة» و»جيش محمد»، لا يمكن استبعاد نشوء مقاومة ضد توجّه «طالبان» إلى تطوير شراكتها مع الهند.

كذلك، تحتفظ إسلام أباد حتى الآن بالقدرة على زعزعة التحالف بين الهند و»طالبان» رغم تراجع اتكال الحركة على باكستان في الفترة الأخيرة، حتى أن بعض الجماعات في صفوف «طالبان» لا يزال يتعاطف مع المصالح الباكستانية، ولهذا السبب، قد تتواصل باكستان مع هذه الجماعات لكبح العلاقة المتوسّعة بين الهند وقيادة «طالبان».

يقال إن باكستان سبق أن طلبت من بعثاتها في أفغانستان أن تسلّط الضوء على التناقضات الأيديولوجية والسياسية بين الهند و»طالبان»، فيجب ألا ننسى أن «طالبان» تبقى منظمة جهادية على علاقة وثيقة مع تنظيم «القاعدة» وجماعات متشددة أخرى.

من المعروف أيضاً أن المشروع السياسي الخاص بحركة «طالبان» الأفغانية يتمحور حول فكرة الجهاد، مما يعني أن المشاكل قد تنشأ بين الهند و»طالبان» إذا لم تتخلَ هذه الأخيرة عن روابطها مع الجماعات المتشددة، ومن المتوقع إذاً أن تزداد قوة الجهود الباكستانية المباشرة وغير المباشرة لكبح هذه الشراكة الثنائية المتوسّعة.

*عمير جمال

The Diplomat