الاستعمار الداخلي بقلم ميخائيل نعيمة
قبل أن تستقل البلاد العربية من ربقة الاستعمار الخارجي، كان الكُتاب العرب يصبون جام غضبهم في كتاباتهم على ممارسات ذلك الاستعمار، ولكن ما هي إلا سنوات قليلة بعد أن نالوا استقلالهم حتى أخذ الفساد ينتشر في بلدانهم أكثر بكثير مما كان سائداً أيام الاستعمار القديم، حتى أن البعض صار يترحم على أيام الاستعمار، وقد ظهرت مقالة في العدد الثاني من مجلة العربي في يناير 1959 لميخائيل نعيمة تشير إلى ما أسماه «الاستعمار الداخلي»، سأقتبس بعض سطورها: • «الاستعمار الداخلي أقوى شكيمة وأصلب عوداً، وأشد عناداً، وأبرع حيلة من الاستعمار الخارجي، وجذوره العتية سحيقة الأغوار في الحياة العربية، وهذا النوع من الاستعمار لم يأتنا من الغرب ولا من الشرق، بل من صميم حياتنا، فقد ارتضيناها لأجيال وأجيال، حياة تتفاوت فيها الحظوظ أفدح تفاوت، بين أقلية تُعد بالمئات وقد «كُتب» لها أن تحكم وأن تستبد، تارة باسم الدين، وطوراً باسم الحسب والنسب، وبين أغلبية تُعد بالملايين، وقد شاءت لها «الأقدار» أن ترضى من عيشها بالكفاف، أو أقل من الكفاف فتبقى لاصقة بالتراب، وتبقى حليفة البؤس والجهل والمرض والحرمان.وليست الغلبة على الاستعمار الخارجي غير بداية الكفاح المستميت ضد الاستعمار الداخلي، ولن تتم الغلبة للعرب في هذا الكفاح حتى لا يبقى بينهم ابن الست وابن الجارية، حتى يسترد آخر إنسان عربي كرامته كإنسان، فيصبح حكامه خدامه، وتصبح جميع أجهزة الدولة مسخرة لقضاء حاجياته المادية والروحية، وتصبح حياته كما أرادها لهُ الله أن تكون».
• هذا الكلام كُتب في مجلة «العربي» التي تصدر في الكويت، والمقال بقلم ميخائيل نعيمة أحد كبار المفكرين، والأدباء، والشعراء العرب... أنقله، وناقل الكفر ليس بكافر!أقول هذا لأن المقال يتواءم تماماً مع الفساد السائد، ليس في بلدٍ عربي معين، وإنما أصبح الفساد ظاهرة، قد طبعت العصر بطابعها في الكثير من البلاد العربية!