من صيد الخاطر: «لما اشتد ساعده رماني»
«لما اشتد ساعده رماني»، مثل عربي شهير وقديم، وهو من أكثر الأمثلة تداولا معنىً ومضموناً، فهو يضرب لناكر جميل من أحسن إليه، ووراء هذا المثل قصة، وهي أن رجلاً من العرب ربى ابن أخت له، حتى كبر واشتد ساعده، فلما أحس الولد من نفسه القوة والقدرة، تنكر لمربيه الذي آواه وأحسن إليه، وأخذ يرد جميله نكرانا وكفرا، فقال الرجل في ذلك:فيـا عجبـا لمن ربيت طفــلاً ألقـــِّمــــه بــأطــــرافِ البــــنــــــانِأعــلمــهُ الرمـــايــــةَ كل يـــــــــــــــومٍ فلما اشتد ساعدُه رماني
وكم علمتُه نظْـــــمَ القـــــوافي فلمــــا قــال قـافيـــــةً هجـــانيأُعلِّمـــــهُ الــفتــــــوة كل وقــــــــــت فلمـــا طـرّ شــاربُـــه جفــانـي وهكذا يصنع من لا يثمر فيهم المعروف، فيسيئون إلى من أحسنوا إليهم، ورفعوا من قدرهم أمام الناس، ودفعوهم إلى أعلى المناصب، ومهّدوا لهم طريقهم إلى الثراء والوجاهة، فلما وصلوا إلى ما وصلوا إليه، انقلبوا ضدهم، وقلبوا لهم ظهر المجن.وقد قيل عنهم: أسوأ الناس خلقاً من إذا غضب منك نسي فضلك، وأفشى سرك، ونسي عشرتك، وقال عنك ما ليس فيك، وقيل: نكران الجميل، أشد وقعاً من السيف، ونكران الجميل خيانة للشرف والأمانة، ومن لم يشكر الناس لم يشكر الله، فأجمل النفوس هي التي لا تنكر المعروف رغم شدة الخلاف.أمثال ناكري المعروف كثر، نراهم ونسمعهم كل يوم وهم يتكلمون عن القيم والأخلاق، فهم ملء السمع والبصر، ولكنهم سرعان ما تكشفهم سوء أعمالهم، فمنهم من استفاد من خيرات بلد آواه وعلّمه لكنه خانه وقت الشدة، ومنهم من قُدّم في المناصب على غيره فانقلب على ولي نعمته، بل عاداه وتآمر عليه.اللهم احفظ بلدنا من ناكري المعروف، ناكري النعمة.ملحوظة: منقول من التراث بتصرف...