في مقالة سابقة تحدثت عن هبة تأسيس شركات تأمين بالجملة بالكويت أواخر 2011، عندما فتحت وزارة التجارة باب تراخيص شركات تأمين جديدة في السوق المحلي المحدود الإمكانات والمتشبع بشركات تأمين ومكاتب الوساطة.

ويبدو أن هبة تأسيس شركات ورقية باتت سمة كويتية منذ فوضى تأسيس الشركات الخليجية في سبعينيات القرن الماضي بهدف المضاربة في سوق المناخ، فصارت تلك الهبة مسماراً في نعش فورة المناخ آنذاك، وما إن تدخلت الدولة لإطفاء نار هذه الأزمة حتى عادت حليمة الثراء السريع إلى عادتها القديمة في الثمانينيات لتأسيس شركات استثمار بالجملة.

Ad

يقول الأستاذ حمزة عباس، أول محافظ لبنك الكويت المركزي، في كتابه «ونصحت لكم» إن مجموعات مختلفة تقدمت من «المركزي» لتأسيس شركات استثمارية برؤوس أموال بلغت نحو 50 مليون دينار لكل منها، فقدم توصية لمجلس إدارة «المركزي» برفضها لأن غرضها كان المضاربة بسوق المناخ، إلا أنه، وبعيداً عن تدخل «المركزي»، وافقت اللجنة الوزارية الاقتصادية بمجلس الــوزراء على تأسيس شركات استثمار ورقية بالجملة، ليتبين فيما بعد أن غالبيتها دخلت للمضاربة بسوق المناخ ليعلن فيما بعد إفلاسها. وقبل هبة تأسيس شركات الاستثمار، وخلال فورة المناخ تقدمت مجموعة أخرى من الكويتيين بطلب تأسيس بنوك جديدة لأغراض تجارية وعقارية وتعاونية وزراعية، فامتنع «المركزي» عن دراستها لأن هذه الطلبات كان غرضها كذلك المضاربة بسوق المناخ.

خلال الفترة التي سبقت ترخيص شركات التأمين الجديدة كان سوق التأمين المحلي يعاني نقصاً حاداً في الخبرات، فكيف استطاعت تلك الشركات تلبية حاجتها من الكفاءات بوقت قياسي لإدارة أقسامها المتخصصة في شركاتٍ كانت تحتاج دعماً لوجستياً فنياً وإدارياً ومالياً لمواصلة العمل في ساحة احتدمت فيها المنافسة بسبب معاناة التشبع؟!

الغريب أنه بعد بضع سنوات اهتزت أوضاع بعض هذه الشركات وتراجعت أرباحها حتى وصل بعضها إلى هاوية الإفلاس، الأمر الذي أجبر وزارة التجارة على مخاطبة 5 شركات دفعة واحدة بعدما تآكل رأسمالها بنحو 75 في المئة، تطالبها إما بالاندماج مع شركات تأمين أخرى، أو بزيادة رأس المال، أو بإعلان إفلاسها.

في الاقتصادات الحرة لا تتدخل الجهات الرقابية لإنذار المؤسسات التجارية بتعديل أوضاعها المالية إذا شارفت على الإفلاس، لتتركها لظروف السوق، ولهذا نجد غالبية الشركات الجديدة تغادر أسواقها طواعية، دون تدخل رسمي لحماية العملاء في أي قطاع اقتصادي سوى التأمين، لما له من أهمية بالغة في حياة الناس، ولنا في نهج الإدارة الأميركية بدعم مجموعة التأمين الأميركية (AIG) خير مثال، ولهذا كان خطاب وزارة التجارة، لشركات التأمين الخمس بتعديل أوضاعها، مثار إعجاب المراقبين الذين وصفوه حينها بالإيجابي لحماية حقوق المساهمين في هذه الشركات الخاسرة أولاً، وللحفاظ على سمعة الكويت دولياً ثانياً. كما كانت قرارات وحدة تنظيم التأمين موضع تقدير وترحيب من المتعاملين مع شركات التأمين عندما أوقفت عدة شركات عن مزاولة أعمالها في السوق لتعديل أوضاعها وكعقاب لإحداها على تغيير مقرها دون إعلان الزبائن أو وحدة التنظيم بذلك... وللحديث بقية.

* يوسف عبدالكريم الزنكوي