نقطة: الحل من أعلى
من أتخموا حياتنا بالشعارات عن قوة الشعوب وإرادة الأمم قبلوا مهللين بالخطوة القادمة من أعلى بكل سرور وابتهاج وزهو، وكأننا وبعد ٦٠ عاماً من العمل بالدستور والديموقراطية المزعومة ما زال نوابنا «ممثلو الأمة»، المتوقع منهم إيجاد الحلول لقضايا البلد والمشاركة في إدارتها، ينتظرون بدورهم الإنقاذ من فوق ليتلقفوه «بشليلهم»، بعد أن تفننوا في اختلاق المشاكل وافتعال الأزمات فيما بينهم، فضلاً عن تراخي قبضتهم عن التمسك بالدستور حين تخلت السلطة عن حقها الدستوري بانتخاب الرئيس واللجان، وهذا أمر آخر بحاجة لبحث مدى دستوريته ولا مجال له الآن.هم لا يريدون مرزوق، وهذا حقهم الذي لا جدال فيه، والشيخ صباح الخالد سيرحل بالتبعية عقاباً له على أصوات حكومته التي ذهبت للسيد مرزوق لا على أدائها، وهذا حقنا الذي نراه، وسنتغاضى عن ضياع حق «الشعب» في اختيار حسن جوهر لمنصب نائب الرئيس، وفشله في الحصول على أصوات حلفائه نواب المبادئ والثبات و»إرادة الأمة»، وسنؤمن معكم بأن الفاسد المعتق تاب وأصبح إصلاحي الحاضر، وقبيض الأمس صار شريف اليوم، والناس تتغير والتغيير من طبيعة الأمور وهو الثابت الوحيد، خصوصاً إذا كان للأفضل فعلاً وبنية صادقة وإرادة حرة وليس مجرد وجه آخر للاستخدام عن بُعد أو للتشفي والانتقام.
إلا أن التغيير لينتج أثره المنتظر في المرحلة القادمة يفترض به كذلك أن يكون على مستوى جميع السلطات، وأولها الدينية والاجتماعية، ولا يصل عند السياسة ويتجمد، فنفاق الناس والجماعات أسوأ وأكثر ضرراً من نفاق السلطة السياسية، وإذا كنت لا تملك الجرأة على الهمس عن السلطات الأخرى فلا «تفش غلك» على السلطة السياسية، وتخرج عقدك التي راكمتها بداخلك السلطات الأخرى طوال عقود لتصبح بطلاً علينا بأقل تكلفة بالسوق، فأي نائب يخوض الفرعيات القبلية المجرمة أو يتبع أكثر المذاهب الدينية تشدداً وانغلاقاً، أو يجمع كلتا الحسنيين، ثم لا يجد - بسبب إفلاسه أصلاً - ما يستحق النقد والإصلاح والتغيير في الكويت إلا السلطة السياسية الأكثر حداثة وتقدماً، فإنه يعتبر بحد ذاته جزءاً عميقاً من المشكلة، وأول من يحتاج إلى تغييره إن كنتم صادقين طبعاً، وهذه قصة أخرى.