عندما اقرأ في الوثائق البريطانية القديمة عن الأحداث والمعلومات الخاصة بالكويت فإنني من القراء الذين يستنيرون بهذه المعلومات، ويطلعون على ما فيها من توثيق جميل وتحقيق تاريخي ممتع، ولكنني أرى فيها بعض الأخطاء من أسماء أو أحداث أو روايات، ولذلك فإنني لا أُسلّم بكل ما ورد في هذه الوثائق من معلومات. السبب الذي يدعوني لقول ذلك الآن، هو ما ورد في وثيقة عام 1839م التي بدأت في نشر تفاصيلها الأسبوع الماضي، والتي سنرى مع تتبعنا لتفاصيلها أنها تتضمن أخطاء وليس خطأ واحداً، وسأشير إليها في وقتها إن شاء الله. ذكر كاتب هذه الوثيقة النادرة القديمة، التي أعتقد أنها لم تنشر من قبل، أن الكويت تمتلك «القليل أو لا شيء من الخضراوات، باستثناء البصل، لكون البلد جرداء تماماً، وفي أوقات يتم الحصول على الاحتياجات من البصرة، أو الموانئ على الساحل الفارسي».
وهنا أشير إلى أن الكاتب يؤكد أن أهل الكويت كانوا يزرعون البصل قبل 200 عام تقريباً، ولا يزرعون شيئاً غير ذلك، وهو أمر غير مستغرب بسبب عدم وجود مياه كافية، ولكنه يتناقض مع ما لدينا من معلومات، فلو نظرنا نظرة فاحصة على ما ورد في تاريخنا، لعرفنا أن الكويتيين كانوا يزرعون الحنطة والشعير، كمثال، اعتماداً على مياه الأمطار. وورد في أكثر من مصدر أن الشيخ مبارك طلب من المزارعين أن ينتقلوا من داخل السور (من منطقة المقوع الشرقي) إلى خارجه لممارسة الزراعة، وفعلاً انتقلوا مع بداية القرن العشرين إلى منطقة العديلية التي كانت تضم الروضة معها قديماً، وتتوفر فيها مياه جوفية، وأنشأوا مزارع تم توثيق أسماء أصحابها في ذلك الوقت. كما كان لعدد من العائلات الكويتية أشجار كالسدر والنخيل يزرعونها في داخل أحواشهم (ساحات وسط البيت العربي القديم) ويروونها من آبارهم أو بركهم الموجودة داخل منازلهم، ولا ننسى أن الشامية منذ حوالي 200 سنة وهي مليئة بالمزارع التي تعتمد في إنتاجها على المياه الجوفية المتوفرة فيها. وتوجد الكثير من الوثائق التي تؤكد امتلاك أسر كويتية لآبار مياه (قلبان) في الشامية، وتقوم بزراعة منتجات بسيطة للاستخدام الشخصي أو التجاري. أما عن توفر الخضراوات في قرية الجهراء وقرية رأس الأرض والقرى الأخرى في جنوب البلاد، فهو أمر ثابت لا يحتاج إلى دليل، إلا أن الكميات قليلة ولا تشمل الفواكه التي تحتاج إلى وفرة في المياه وحرارة معتدلة لا تتوفر بالكويت، ويؤكد التقرير البريطاني هذه الحقيقة فيقول «إن فواكههم تتألف من البطيخ الأحمر (الرَقّي) المزروع هناك، ومن التمر والحمضيات والرمان والبطيخ الأصفر التي يحصلون عليها من بوشهر أو البصرة».إذن معظم الخضراوات والفواكه كانت تصل إلى الكويت من البصرة (العراقية) أو بوشهر (الإيرانية)، ماعدا البصل والبطيخ الأحمر فقد كانا يزرعان في الكويت ولكن بكميات بسيطة لا تسد الحاجة المحلية. ونعلم جميعاً، كحقيقة تاريخية، أن السفن الصغيرة (الابلام ومفردها بَلَم) كانت تنتقل من إيران أو البصرة يومياً لتصل إلى ميناء الكويت وعلى ظهرها المنتجات الزراعية الطازجة الضرورية. في الأسبوع المقبل سنتحدث عن أسعار الأغنام في الكويت قبل 200 عام تقريباً، من خلال التقرير الذي قام صاحبه بزيارة للكويت، للاطلاع بنفسه على الأوضاع فيها، والتحقق من حياة الناس وكيفية عيشهم.
أخر كلام
وثيقة لها تاريخ: تقرير عام 1839م: البَصَل والرقّي من منتجات الكويت قبل 200 عام
08-07-2022