أثار مؤخراً اهتمام الباحثين التفاوت بين العمر الزمني، أي عدد السنوات التي عشناها منذ الميلاد، والعمر البيولوجي، أي التغيرات التي تطرأ على أجسامنا كلما تقدم بنا العمر. صحيح أن العمر الزمني والعمر البيولوجي للشخص قد يرتبطان ببعضهما، لكنهما لا يتطابقان في الكثير من الحالات، فمن المعلوم أن الأكل غير الصحي وقلة النوم يسرعان بظهور علامات الشيخوخة قبل الأوان. وتعد الشيخوخة بشكل عام عملية تدريجية تزحف إلى الجسم كله، لكن وتيرة ظهور علاماتها تختلف من شخص لآخر، وأشارت دراسات إلى أن التركيبة الوراثية ونمط الحياة والعوامل البيئية، رغم أنها تحدد وتيرة شيخوخة الجسم ككل، فإنها تؤثر على أعضاء الجسم بدرجات متفاوتة؛ فقد يحتفظ البعض ظاهرياً بنضارة الشباب في سن 38 عاماً، لكن كلْيتهم قد تبدو ضامرة ومتدهورة كما لو كانت لأشخاص عمرهم 61 عاماً... في حين أن بعض الناس قد تكون بشرتهم مجعدة في الثمانين من العمر، لكن قلوبهم تبدو شابة، كما لو كانت لأشخاص في سن الأربعين. ويشبّه مايكل سنايدر، عالم الوراثة بجامعة ستانفورد، ذلك، بالسيارة، ويقول إن السيارة تتهالك مع الوقت، لكن بعض أجزائها يبلى أسرع من غيره؛ فإذا تعطل المحرك فقد تصلحه، ثم إذا نال التلف من الهيكل تجدده... وهكذا.ولهذا إذا أردنا أن نعيش حياة أكثر صحة وعمراً أطول، ينبغي أن نأخذ في الاعتبار أن بعض أعضاء الجسم تصيبه الشيخوخة قبل غيره.ويرى الباحثون بجامعة ليفربول أن ظهور علامات الشيخوخة على أعضاء الجسم يتوقف على عاملين، أولاً طبيعة العضو نفسه وتشابك وظائفه، وثانياً مدى اعتماده على الأوعية الدموية لتأدية هذه الوظائف.ويقول ريتشارد سيو، مدير مركز الشيخوخة بجامعة كينغز كوليدج بلندن، إن بعض أعضاء الجسم أكثر تأثراً بأنماط الحياة والبيئة من غيرها، مثل الرئتين، إذ تشيخ الرئتان بوتيرة أسرع في المدن والبيئات الملوثة.وتتلف الخلايا التي تتكون منها غالبية أعضاء الجسم وتحل محلها أخرى في فترات منتظمة، لكن معدلات تجدد الخلايا تختلف باختلاف أعضاء الجسم؛ إذ تتجدد خلية الدم الحمراء كل أربعة أشهر في المتوسط، بينما تتجدد الخلايا في الأمعاء كل بضعة أيام، لكن معظم الخلايا العصبية لا تتجدد مطلقاً مع التقدم في السن.ويقول سنايدر إن الشيخوخة تصيب قلوب بعض الناس قبل سائر الأعضاء، لكن الهدف الرئيسي الذي يطمح إلى تحقيقه الباحثون الآن، ليس إيقاف عقارب الساعة فحسب، إنما إعادتها إلى الوراء. وقد نجح باحثون من كلية الطب بجامعة ستانفورد في مارس 2020 في إعادة الشباب للخلايا المأخوذة من كبار السن، إذ أعادوا برمجة الخلايا لتنتج البروتينيات التي ثبت سابقاً أنها تعيد الخلايا إلى الحالة الجنينية، وبعد بضعة أيام بدت الخلايا أصغر سناً.ومهما اختلفت الطريقة التي تصيب بها الشيخوخة أعضاء الجسم، فإن ريتشارد سيو يشدد على أن أنظمة الجسم كلها مترابطة، وسيؤثر تدهور أي عضو حتماً على سائر أعضاء الجسم.وكالجسم تماماً، تعاني الدولة تعاني من الشيخوخة جراء بعض أعضائها الذين توقف أداؤهم وأصبحوا عبئاً على المنظومة التشريعية والتنفيذية والقضائية، لذا علينا أن نختار من يجدد الدماء ويقضي على الخلايا التالفة (الهدر والفساد) والأدمغة المتحجرة حتى يستعيد الجسم حيويته، وتعود للدولة ديناميكيتها ومكانتها المتميزة، ولن يتم لنا ذلك إلا إذا قررنا جميعاً كأعضاء في جسم الدولة أن نحسن الاختيار ونضخ دماء جديدة منتجة ومخلصة تعكف على تجديد مفاصل الدولة التشريعية والتنفيذية والرقابية والقضائية وكل قطاعاتها.
مقالات
بوصلة: تجديد مفاصل الدولة
13-07-2022